الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

الأبواب المغلقة

تنوعت السياسات المحلية في إسدال الستار بين المواطن والمسؤول. وهذه السياسة التي عهدناها منذ زمن طويل وهي سياسة «الأبواب المغلقة»  


تنوعت السياسات المحلية في إسدال الستار بين المواطن والمسؤول. وهذه السياسة التي عهدناها منذ زمن طويل وهي سياسة «الأبواب المغلقة» والتي تمارس فعليا عند البعض من خلال استحالة مقابلة الوزير أو الوكيل أو من في حكمهم الا لمن ارتضوا منهم.
فمثلا مقابلة وزير ما كان يستدعي سنوات طوال، هذا اذا حالف الشخص الحظ قبل ان يباغته القدر بالموت.. وفعلا بعد ان فقد ذلك الشيخ العجوز الأمل (كما سمعنا) من السماح له بمقابلة الوزير، انتابته نوبة قلبية عندما حظي بنعمة المقابلة، فسقط في مكتب الوزير ولسان حاله يقول: هذه هي الحياة كفاح ومعاناة .. حتى آخر لحظة!.
وأخذت العدوى تسري الى تلك النفوس التي ارادت ان تتلبس بلباس الطاووس بغية الاستعلاء او الرفعة التي تنقصها والتي لا تكسبها (حسب اعتقادها) الا من خلال وضع ستار العزلة بينها وبين المواطن. فانتشرت سياسة الأبواب المغلقة!.
في الحقيقة هناك معادلة مختلة طرفاها المواطن والمسؤول. هذه المعادلة تقوم على ان اعطاء الحقوق وجعل الامور في مظانها من غير تمايز بين البشر يجعل الصورة كاملة وواضحة للجميع. الا انه حينما تهتز الصورة بسبب انحراف الامور عن مظانها فيختفي التناسق بين الفعل والكلمة الواضحة وتتشوش الحقيقة ويبدأ المواطن بخوض غمار المجهول باحثا عن صحة المعادلة التي تعلمها وسمع عنها ووعاها ودله عليها عقله الصغير وهي أن 1+1 يساوي 2 دائما، لأنه يعرف ان الله عز وجل قال في محكم كتابه الكريم: «.. وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» لا لتتمايزوا. ولكن حين فشل الناس في تطبيق الآية الكريمة، اختلت المعادلة وتغيرت المعايير. فبدلا من: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» تأتي الكلمات المطبقة في واقعنا.. إن أقربكم الى معاليه أو سعادته أو من على شاكلتهما أكثركم استحقاقا! وهنا يبدأ الاختلال فلم يعد 1+1 = 2 بل قد يساوي 3 او 4 أو 5 أو حتى 10.. وتقع المفارقة !
هذه المفارقات تربك المواطن وتجره الى اختلال في عقله المنطقي الصغير الذي وجد ان 1+1 لفلان أنتجت أرضا وأن 1+1 لعلان شيدت له قصرا، أما 1+1 لقحطان فقد اغلقت عليه كل أموره وعقدت عليه كل متاعبه التي ما زال يكابدها منذ ان تفتحت عيناه على هذه الدنيا. وحين فكر بروية وجد أنه لا مفر من ذلك إلا بدق تلك الابواب المغلقة أو الموصدة ...لا .. ليس من أجل ارض او قصر ولا لتصريف معاملة لا يستحقها أو نظرة من طبيب مختص تسكن آلامه المستقبلية ان حدثت، وانما دق تلك الابواب الموصدة وليس هدفه منها أي أمر يتعدى حقوقه المهضومة التي وفق حسبته كمواطن.. له فيها كل الحق!.
والمواطنة ولله الحمد درجة واحدة الكل فيها سواسية. كما أن القوانين وضعت بحيث ان الجميع يعامل على ارض هذا الوطن من غير تمايز او تغاير. ولكن .. حين يفسد المسؤول في تطبيق القوانين التي اؤتمن عليها، فإنه يزيد من اعداد الذين يطرقون بابه. فليس كل طارق للباب يطلب استثناء او تمايزا عن الغير. فهناك مظلوم يطرق الباب معتقدا ان هذا المسؤول هو وسيلة من الوسائل التي لا بد من المضي من خلالها لدفع الظلم عنه. وهناك مستحق وجد في المسؤول الوسيلة الوحيدة التي تساعده على نيل حقه ولولا ذلك الحق المهضوم لما أنزل نفسه الكريمة لدق تلك الأبواب الموصدة. وهناك صاحب كلمة حق وجد نفسه مسؤولا عن توصيل تلك الكلمة الى اذن تسمع وتفهم وتستطيع ان تغير. وهذا الاعتقاد هو الذي يحدو بالكثيرين للسعي خلف تحصيل حقوقهم أو توصيل كلمتهم البناءة ..أو ليس «الساكت عن الحق شيطان أخرس»؟ ولكن في المقابل هناك الكثير من المسؤولين في هذا العالم من لا يستطيع الموازنة بين ما يقوله وبين ما يطبقه فلهذا تكبر الفجوة. لأن هؤلاء يقولون شيئا وعند التطبيق يقومون بالنظر في وجوه القوم أو لا، ثم يفحصون الاسماء، وبعدها تقرر تلك العصا السحرية .. فيخط القلم وفقا لذلك!.
تلك النفوس العزيزة التي طرقت الباب ولم يتم الاستجابة لها، لا بد ان تستصغر شأن قوم اقسموا ان يكونوا في موضع ثقة وأن يعملوا لصالح الوطن والمواطن، الا أن الأمر انتهى بهم في قوقعة عزلتهم عن الناس إما خوفا من أداء حق مهدور أو رد حق مستولىً عليه واما جهلا او قصدا أو خوف مواجهة حقيقة تفضح عجزهم. وطبعا هنا لا نستثني أهمية النظام ووضع الامور مواضعها.. فكما ان للمواطن حقوقا فإن على المسؤول (وهو مواطن أيضا) واجبات يستحق ان يوجد لها وقتا لادائها.. لكن تلك الواجبات لا يجب ان تتحول الى شماعة جحا!.
هناك سنة إلهية وهي أن الله سبحانه وتعالى لا يوفِّقُ إلا صاحب القلب الكبير والنفس الزكية الساعية الى تسهيل امور عباده. وتلك الابواب الموصدة العاجزة عن المضي في الوفاء بحقوق الناس والمواطنين ما هي الا رد على الله سبحانه وتعالى قبل ان تعتبر ابوابا موصدة قبالة مواطن مستحق. وقد قرأت القول المأثور التالي عن الإمام جعفر الصادق(ع): «من تولى أمرا من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقا على الله عز وجل ان يؤمن روعته يوم القيامة». فلنعد النظر !