الأحد، 8 أبريل 2018

مركز الأورام السرطانية و الحاجة إلى الإنتماء-2 ..


الحاجة إلى الإنتماء هي غزيرة فطرية في الإنسانوهذه الغريزة الفطرية تحتاج إلى بيئة تحتضنها وتغمرها بعطف وحنانوحينما تكون تلك الغريزة غير مشبعة خصوصا عند إنسان يعيش معاناة مرض من الأمراض المستعصية في علاجها، فنحن نضيف إلى معاناته معاناة أخرى...

http://omandaily.om/?p=580004


الحاجة إلى الإنتماء هي غزيرة فطرية في الإنسان. وهذه الغريزة الفطرية تحتاج إلى بيئة تحتضنها وتغمرها بعطف وحنان. وحينما تكون تلك الغريزة غير مشبعة خصوصا عند إنسان يعيش معاناة مرض من الأمراض المستعصية في علاجها، فنحن نضيف إلى معاناته معاناة أخرى، ونلهب بتصرفاتنا اللامسؤولة تلك المراكز الحساسة في وجدانه ومن ثم نجرح مشاعره عبر رفضنا اعتباره جزء منا. 

حينما يُبتلى طفل بأحد الامراض الخبيثة فإنه يعيش الآلام الجسمية والنفسية التي تنغص عليه حياته. فهو يعاني الوحدة بسبب المرض الذي يمنعه من ملاقاة أحبابه وأهله وإخوته ويحول دون لعبه مع أقرانه إلا في اوقات محددة وفقا لحالته المرضية. إنه ينتقل فجأة من حياة زاخرة ببراءة الطفولة إلى حياة تضج بألم الوحدة والألم. لنتخيل حياة ذلك الطفل وتلك الطفلة اللذين كانا بالأمس يلهوان ويلعبان، فإذا بهما يقبعان بين جدران المستشفى لتلقي العلاجات الكيمياوية وغيرها. فبالرعم من أنه يُسمح لهؤلاء الأطفال تفاعلا اجتماعيا محدودا وعلى فترات متقطعة لكنهم يواجهون معاناة أخرى تتمثل في جهل من حولهم من أفراد المجتمع. وما يواجهونه من معلميهم وأصدقائهم في المدرسة أمرّ و أكثر إيلاما في الوقت الذي يتوقع من البيئة التعليمية أن  تكون من أسمى البيئات وأكثرها وعيا وعلما وإدراكا!

يعيش الطفل المصاب بالأورام السرطانية في بعض المدارس بين جهل معلم لحالته أو نبذ صديق له. فالمعلمون أو أكثرهم لا يدركون  (مع الأسف الشديد) أن  الأورام السرطانية أمراض غير معدية. إن  جهل المعلم هذا يسري تأثيره بالتالي على الطلبة والذين - بشكل تلقائي- يعكسون ذلك على تعاملاتهم مع الأطفال المرضى. هذا يضاف على  أن الطالب في الأساس يعكس ردة فعله من التغير الذي يجد عليه زميله الذي كان رأسه في الأمس القريب يتزين بشعر جميل و وجهه مفعم بالبشاشة والمرح، فإذا به تحول إلى طفل آخر من غير شعر على رأسه و بوجه شاحب، فينفر منه ويبعد كرسيه عن كرسي زميله المريض خاصة أنه لا يجد التوجيه السليم من المعلم أو إدارة المدرسة لمد الجسور بينهما. و ياليت الآثار النفسية التي تتركها تلك التصرفات على الطفل المريض  تنحصر على مشاعره إلا أنها (مع الأسف) تتعدى الأثر النفسي البسيط إلى انعكاس سلبي على علاج الطفل من جهة وتقدمه الدراسي وشعوره بالإنتماء إلى تلك المدرسة من جهة اخرى. 

إن  من حق الطفل في المدرسة أن  يشعر بالإنتماء والمحبة. وبما أن  المدرسة صرح تعليمي فعليها واجب تشييد الجسور بين الأطفال سواء مع من يعانون من أمراض مزمنة أو من أصيبوا بعاهات أو غيرهما. إن المدارس سواء كانت مدارس عامة أو خاصة لا بد أن  تقدم لطلابها دروسا توعوية حول تقبل الآخر. ففي حصص معينة كحصص الأنشطة أو في فعاليات شهريه يجب أن تقدم للطفل المفاهيم التي تساعده على احتضان وحب الآخر. إننا نعيش في مجتمعات متنوعة وهذا التنوع يزداد يوما بعد يوم، فلا بد لواضعي المناهج المدرسية أن تدركه وتدرك كيفية التعامل معه فتضمن المناهج ما تشيد به جسورا من المحبة والاحتضان. 

إن  بعض المضاعفات الناتجة من المرض المستعصي ينبغي ألا يُنفر المعلم والطلاب من الطفل المبتلى بها، وإنما يجب أن يتم احتضان ذلك الطفل المُبتلى بسببها، لا عطفا أو شفقة ، بل حبا وانطلاقا من حقه في أن  يعيش مع الآخرين بوئام ومحبة.  فنحن نريد للطفل أن  يكون طفلا كبقية الأطفال داخل أسوار مدرسته. ولهذا ومن أجل تلك الطفولة التي تعاني.. ألا يجدر بنا أن نعيد النظر؟