الثلاثاء، 20 فبراير 2018

الانفصال بين الزوجين في أدب الأطفال


الاسرة والبيت هما الدائرة الأولى للطفل التي ينطلق منها للتعرف على العالم الخارجي. وأهمية هذه الدائرة ترتكز على التفاهم والوئام الأسري الذي يستقي الطفل منهما قدرته على التفاعل مع الدوائر الأخرى في حياته. إلا أن...


المقال المنشور في هذه الصفحة قبل التعديلات التي أجريت على المقال من قبل أسرة التحرير في السفير العربي. الا انه لا توجد اية فروقات جوهرية بين المقالين. وصلة المقال المنشورفي السفير العربي ستجدوه أدناه:


الاسرة والبيت هما الدائرة الأولى للطفل التي ينطلق منها للتعرف على العالم الخارجي. وأهمية هذه الدائرة ترتكز على التفاهم والوئام الأسري الذي يستقي الطفل منهما قدرته على التفاعل مع الدوائر الأخرى في حياته. إلا أن الأسر تتفاوت في قدرتها على مد الطفل بالمرتكزات الاساسية للتفاعل مع تلك الدوائر. فهناك اسر تنجح وأخرى تفشل في تحقيق ذلك للطفل انطلاقا من حقيقة أن النجاح والفشل عاملان يصاحبان الإنسان في جميع أموره الحياتية. وقدرة الطفل على التأقلم مع ذلك النجاح والفشل تعتمد على عناصر مختلفه من شخصيته. كما أن هناك الكثير من الوسائل الخارجية التي قد تسهم في قدرة الطفل على ذلك التأقلم.

        يعتبر أدب الطفل واحدا من الوسائل الهامة التي يعول عليها التربويون وعلماء النفس في مد الطفل بالقدرة على التأقلم الإجتماعي. فيستفيد التربويون من قصص الأطفال في توصيل مفاهيم ورؤى أو تغيير في الاتجاهات والسلوكيات أو المساعدة في تقبل أوضاع محددة. كما أن الاخصائيين النفسيين يجدون في الأسلوب القصصي مدخلا و وسيلة فعالة في معالجة الأطفال من بعض المشاكل النفسية.

        هناك توجه كبير في العالم الغربي للاستفادة من قصص الأطفال في شتى النواحي والجوانب التعليمية و التربوية و النفسية وغيرها. لهذا نجد قصصا عديدة في مجالات مختلفه ومتعددة من بينها مسألة "الطلاق". يشغل الطلاق فكر الأطفال بسبب تأثرهم بتبعات انفصال الوالدين. ولهذا يعتبر الطلاق من الأمور الهامة التي تطرق إليها الأدب الغربي منذ عشرات السنين، إلا أنه بدأ يطرق باب أدب الأطفال العرب مؤخرا ولكن على استحياء. ففي هذا العام ظهرت قصتان شاركتا في مسابقة اتصالات لأدب الأطفال.

        إلقاء الضوء على أسلوب تناول مسألة الطلاق في أدب الأطفال في العالم العربي يعد أمرا هاما، لحساسية الموضوع ولكونه جديدا على عالم أدب الاطفال العربي.  وانطلاقا من هذا، فقد تم اختيار قصتين عربيتين تناولتا موضوع الطلاق وقد كانتا ضمن قائمة "جائزة اتصالات" لعرضهما في هذه الورقة. إحدى القصتين حققت فوزا بالجائزة كأحسن كتاب لعام 2017 وهي: "بدل البيت بيتان" للمؤلفة: لوركا سبيتي، ورسم منى يقظان، ومن منشورات دار الساقي. والأخرى كانت ضمن القائمة القصيرة وهي " لقاء.. لقاء"  للكاتبة نبيهة المحيدلي، ورسم لجين أصيل، ومن منشورات دار الحدائق.

النقطة الأولى: نظرة سريعة للقصتين

تطرح قصة "بدل البيت بيتان" للمؤلفة لوركا سبيتي فكرة الطلاق من وجهة نظر الطفل الذي يفتقد إلى من يلعب معه أو يقرأ معه. فوالدا الطفل في شجار دائم: "ماما وبابا يتشاجران كالعادة ويصرخان بصوت عال". والطفل يعاني من تلك الأصوات العالية ويراقب والديه بحزن. لكن الأم تطمئنه وتخبره بأنها اتفقت مع والده على الطلاق شارحة له معنى الطلاق. وبعد تساؤلات الطفل "ومع من وكيف و لماذا؟" يشرح الابوان للطفل نوعية الحياة القادمة. لكن، تظل عند الطفل بعض التخوفات مثل: الخوف من أن يتركوه وحيدا ، والخوف من سؤال اصدقائه له.. وبهذا تنتهي عقدة الطفل ليعلن انه فرح فهو لديه بيتان. فقد كان يحب العيش مع كلا الوالدين، لكن الطفل يقول: "وحين تطلقا عشنا جميعا براحة وسلام".

قصة "لقاء.. ولقاء" للكاتبة نبيهة المحيدلي تطرح معاناة طفلة من انفصال والديها. تقول الكاتبة: "مرة، كان هناك بنت صغيرة  تعيش مع أمها وأبيها..."،  كانت الفتاة فرحة  ومسرورة  "ككل الصغار". كانت البنت الصغيرة تستيقظ ليلا لتنام في سرير والديها. لكنها في يوم ما وجدت ان والدها لم يكن على السرير، وقد تكرر ذلك فاعتراها الاستغراب، إلى أن جاء الوالد "بعد مدة لا تتذكر كم" وأخذها معه الى بيته. فحينما تكون الطفلة مع والدها تمضي وقتا سعيدا وكذلك الحال مع والدتها، لكنها تشعر بحزن حينما تبتعد عن أحدهما. وفي إحدى المرات وهي في طريقها بين بيت الأم وبيت الأب توقفت لتبحث عن الفرح محاولة منها على تجربة أشياء جديدة. وحينما وجدت صبيا لعبت معه لعبة تركيب القطع، وعندها اكتشفت أن أمها وأباها مثل قطعتي لعبة التركيب. وبهذا ارتاحت في أنها ليست السبب فيما جرى لوالديها ومنذ ذلك الوقت لم تعد تشعر بتأنيب الضمير.

        بدراسة القصتين، نجد أن طريقة تناول القصتين العربيتين لمسألة الطلاق  تتماهى مع الاسلوب المتبع في أدب الاطفال الغربي. في حين أن هناك اختلافات اجتماعية كبيرة تنتج من عملية الطلاق بين الزوجين في المجتمع العربي مقارنة بالمجتمع الغربي. إلا أن القصتين العربيتين محل البحث اتبعتا نفس الأسلوب الغربي في تقديم مفهوم الطلاق للطفل العربي من غير اعتبار لتلك الاختلافات الجوهرية. في العالم العربي نادرا ما نجد وئاما و وفاقا بين الزوجين المنفصلين بعد عملية الطلاق، أما في العالم الغربي فغالبا ما يتحول الزوجان المنفصلان إلى صديقين يتحاوران ويتناقشان في معظم الأمور الخاصة بالأبناء. وهذا الاختلاف الكبير بعد عملية الطلاق هو الذي يسبب الكثير من الألم والمعاناة للأطفال في العالم العربي في حين يتمتع الطفل الغربي ببيتين بدلا عن بيت واحد، وغرفتين بدلا عن غرفة واحدة. لهذا فمن الخطأ المعالجة السطحية البسيطة التي تقول له: ها.. انظر لقد أصبح لديك بيتان بدلا عن بيت واحد.

النقطة الثانية: الحبكة القصصية

كلتا القصتين تفتقدان الحبكة القصصية. فقصة "بدل البيت بيتان" طرحت مشكلة شعور الطفل بالوحدة "أحب طابتي العتيقة كثيرا.. أحب كتابي العتيق أيضا.. لكنني لا أقدر على اللعب بالكرة وحدي.. أقرأ الكتاب وحدي".  لكن القصة بدلا من أن تحل مشكلة وحدة الطفل بدأت في معالجة مشكلة أخرى وهي: "ماما وبابا يتشاجران ويصرخان بصوت عال...". فما هي حبكة القصة.. الشعور بالوحدة أم المشاجرة بين الوالدين؟

أما قصة "لقاء ولقاء" بدأت بداية بطيئة جدا.. في الصفحة العاشرة تشير الكاتبة الى مغادرة الصغيرة غرفتها الى غرفة نوم والديها، لتكمل نومها في سريرهما. يظن القارئ للوهلة الاولى ان حبكة القصة تكمن في النوم على سرير والديها، وهي مسألة يعاني منها الكثير من الآباء والأمهات وتصلح أن تكون حبكة لقصة جميلة، لكن.. حبكة القصة في قصة "لقاء.. ولقاء" هي افتقاد الطفلة لأبيها على السرير. فحينما تذهب الطفلة إلى سرير والديها تكتشف خلو السرير من الأب مما يجعلها غير سعيدة.
 
النقطة الثالثة: البعد التربوي

تفتقد القصتان البعد التربوي في طرحهما رغم أنهما من المفترض ان يرتكزا على ذلك في حل مسألة شائكة كمسألة الطلاق. فقصة "بدل البيت  بيتان" أغفلت العديد من الأمور التربوية في أسلوب طرحها. ولعل سطحية القصة واسلوب المعالجة وطريقة العرض والطرح جميعها توحي بأن القصة أغفلت الأسس التربوية بشكل كبير. فوردت عدد من العبارات في القصة التي لا يناسب تضمينها في قصة تستهدف الاطفال. فهدف هذا النوع من القصص هو جعل الطفل متقبلا لفكرة انفصال الوالدين ، لكن .. أن نوحي للطفل ان الانفصال يجعل الطفل سعيدا وفرحا فذلك يتعارض مع واقع الطفل ويستهين بمشاعره وأحاسيسه ويجعله يقع في ارتباك وحيرة. الطفل في القصة وبكل سطحية يعلن عن فرحته بذلك الانفصال. إنها سطحية غير موفقة في معالجة وتناول مسألة ذات أهمية بالنسبة للطفل.

الملاحظ في  قصة "لقاء.. ولقاء" أنها تبنت طرحا غير تربوي كمدخل إلى القصة. فالقصة استخدمت إحدى المشاكل التربوية التي يحاول الآباء والأمهات معالجتها وهي "مشاركة الوالدين في سريرهما" كمدخل الى قصتها مخالفة بذلك الاهداف التربوية التي من المفترض أن تتبناها القصة.  الأمر الآخر، أن الطفل لا يكتشف عدم وجود الأب في البيت إلا ليلا. ثم تشير القصة الى أن الطفلة "بعد مدة لا تذكر كم أتى والدها.. " أين كان الوالد في تلك الفترة؟ ولماذا لم يأت ليتفقد صغيرته؟ و..و.. الكثير من الاسئلة المحيرة التي قد تدور في ذهن الصغار مما يجعل القصة بدلا من أن تعالج مسألة انفصال الوالدين فإذا بها تزيد الأطفال هما وشعورا بالخوف من نتائج الانفصال!

النقطة الرابعة: معالجة سطحية لمشكلة عميقة

تتمحور هذه النقطة حول المعالجة السطحية لمسألة انفصال الوالدين. فرغم ان عملية انفصال الوالدين ليست بالعملية السهلة حتى على الكبار إلا ان تلك المسألة عرضت بسطحية شديدة تنم عن عدم ادراك عمق تأثر الأطفال بها من جهة، ومن جهة آخرى افتقار القصتين للخيال في تناول مسألة الطلاق بحيث تنسجم مع خصائص الطفولة. و التناول السطحي وغير المدروس لمسألة حساسة جدا أوجد خللا كبيرا في طرح مسألة الانفصال فضلا عن طريقة معالجتها.  تعرض قصة "لي بدل البيت بيتان" عددا من الأسئلة البسيطة التي تدور في ذهن الطفل والتي تهدأ عبر اجابات مقتضبة من الوالدين مثل: "لكن ماذا سأقول لأصدقائي في الصف؟" أو "يخبرني بابا بأن الطلاق ليس عيبا".. وفي النهاية يعلن الطفل: "أنا الآن فرحان.. صار عندي بدل البيت بيتان" .. "وحين تطلقا عشنا جميعا براحة وسلام"! يا ترى ماهي الرسالة التي تريد الكاتبة ايصالها إلى الأطفال؟

قصة "لقاء.. ولقاء" لم تبرز مشكلة الطفل بها منذ بداية القصة، إلا أن المشكلة الأساسية ظهرت بوضوح في العرض الموجز في الغلاف الخلفي للقصة حيث أوضحت الكاتبة ".. سبب حزنها شعورها بالذنب لانفصال والديها...". هذا السبب لن يدركه قارئ القصة إلا في الصفحة (23) "ظلت الصغيرة حزينة.. هناك شعور ما بداخلها يقلقها، ويجعلها تشعر بالذنب لما يحصل مع والديها". لكن.. لماذا وما هو سبب ذلك القلق والشعور؟ لا يجد القارئ توضيحا في القصة يعلل تلك المشاعر التي لا تتناسب مع عمر القارئ المستهدف. ولكن كيف تناولت القصة حل مشكلة الطفلة مع انفصال والديها؟ تشارك الطفلة طفلا يلعب بتركيب قطع اللوحة “Puzzle”. وقبل أن تغادره قال لها الطفل  شيئا "خفف من شعورها بالحزن" ماهو ذلك الشيء؟ لم تبح به القصة. وأخيرا توضح القصة أن حديث الطفلة مع الصبي وادراكها أن والديها مثل (قطعتي تركيب غير متناسبين) خفف من شعورها بالذنب.. "ارتاحت الصغيرة لفكرة انها ليست السبب في ما حصل مع والديها..". وهكذا انحلت مشكلة انفصال الوالدين. لكن هل حقا كانت مشكلة الانفصال أم كانت مشكلة الشعور بالذنب؟ وهل تم حل مشكلة الطفل أم انه حقا استطاع ان يدرك ان والديه كمثل قطعتي التركيب؟

        رغم شكري للكاتبتين في محاولاتهما سبر جانب مهم من جوانب حياة الطفل التي قلما تطرق لها أحد في العالم العربي، إلا أنني لا أراهما قد وفقـتا في تقديم شيء ذي مستوى بحيث يملأ الفراغ الموجود في هذا الجانب في العالم العربي. لهذا نأمل من القائمين على قصص الأطفال في العالم العربي عند الولوج في بعض المسائل المهمة بالنسبة للطفل ان يطرحوها باستقلالية بعيدا عن الانجرار وراء الأدب الغربي. فهناك فوارق جوهريه لابد أن تدرس وتستوعب قبل أن يتم التطرق لمسألة كالطلاق من منظور ضيق.