السبت، 31 مايو 2014

الإبداع رديف النقد البناء!

الأدب بجميع أنواعه سابق النقد الأدبي.  وعملية النقد الأدبي ليس كما يتصورها البعض أو يفهمها البعض الآخر من أن الهدف منها هو التشهير بالمؤلف وبيان ضعفه وعدم قدرته. فالنقد الأدبي...

الأدب بجميع أنواعه سابق النقد الأدبي.  وعملية النقد الأدبي ليس كما يتصورها البعض أو يفهمها البعض الآخر من أن الهدف منها هو التشهير بالمؤلف وبيان ضعفه وعدم قدرته. فالنقد الأدبي البناء هو ذلك الذي يتوجه نحو العمل الأدبي لمحاولة الإضاءة على إيجابيات العمل وسلبياته، دون التعرض أو المساس بشخصية المؤلف. والعمل الأدبي بعد أن يتم إنجازه ونشره يصبح ملكا للقارئ والناقد الذي يجد في نقد العمل الأدبي مسؤولية ثقافية وإجتماعية. وتتجلى هذه المسؤولية الثقافية في عدد من الأوجه: 1) إن تاثيرات الأعمال الأدبية تتعدى الكاتب بعد نشره الى القارئ والمتلقي. فالعمل الأدبي ذو المواصفات المتدنية يؤثر سلبا في الذوق العام من جهة، ومن جهة أخرى يحُولُ دون تقدم أو رُقي الكاتب، لأنه يبادر بالنشر من غير تمعن لمستوى العمل، مما يجعله يشعر بأنه وصل الى الكمال. كما أن انتشار الأعمال الأدبية المتدنية تسول لغير المؤهلين الخوضَ في المجال الأدبي تأسيا بمن خاضوه من غير علم أو موهبة. لهذا ففي الدول المتقدمة ثقافيا يحرص الكاتب على أخذ آراء المختصين والمهتمين في الجانب الأدبي المعنى بالنشر قبل نشره. كما يتم أحيانا نقد العمل الأدبي قبل نشره في مجموعات صغيرة من الكتاب والناقدين. 2) إن نقد العمل الأدبي كما أنه يرفع من مستوى ذوق القارئ، فإنه أيضا يساعد المؤلف على معرفة مواضع الضعف في عمله الأدبي. لقد قالت لي أحد القارئات المثقفات تعليقا على مقالي النقدي: "إن مقالك يعتبر "check list" أي "قائمة الفحص" لقياس معايير جودة العمل لكل من أراد الكتابة في مجال الطفولة. فالنقد الأدبي الذي يحاول الإضاءة على العمل الأدبي ببيان مواقع الضعف والقوة فيه، فإنه بلا شك يساعد الكاتب على أكثر من صعيد منها أنه سيجعل الكاتب حذرأ ومتحريا الدقة في أعماله القادمة ومراعيا النقاط التي أشار اليها الناقد. فلا أظن أن الكاتب الذي تساهلَ لغويا أو إبداعيا في عمله السابق سوف يتغاضى عن تلك النقاط في عمله اللاحق. كما أن وجود الناقد المختص (وإن حكم عليه الكاتب بغير ذلك) فإن الكاتب سوف يدرك أن أعماله سوف تُقرأ ومن ثمَّ تخضع للتقييم. لهذا فإن قيام الكاتب بمهاجمة الناقد الذي يفصل بين العمل الأدبي و بين شخصية الكاتب هو تصرف فيه نكران للجميل!
هناك فئة تتحاشى أو لا تشجع الناقد في الخوض في عملية النقد الأدبي. وتنطلق تلك الفئة من الفكرة الخاطئة مفادها بأن الكاتب سوف ينال شهرة ودعاية مجانية على عمله الأدبي بسبب النقد الموجه له. وهذه النظرة القاصرة تنطلق من سوء فهم الهدف من النقد الأدبي والذي يتلخص في تقييم العمل الأدبي ونقده لإتاحة المجال لرقيه. فالناقد المخلص لا يضمر للكاتب أي سوء و ليس ضد تقدمه أدبيا، كما أنه ليس ضد انتشار عمل الكاتب أو يسعى لمنعه من الانتشار أو ضد اقتناء الناس له إن أرادوا. فالحقيقة التي لابد من فهمها أن النقد البناء سوف يرفع بلا شك من مستوى فهم و وعي الناس للعمل الأدبي. فبفضل الناقد يرتفع الوعي الثقافي بين عامة القراء ويصقل فيكون كل من يشارك في العمل أكثر إدراكا وفهما لمكونات العمل الأدبي سواء كان العمل الأدبي على هيئة رواية أو مسرحية أو قصة أطفال. وهذا هو الهدف الأساسي من عملية النقد البناء الذي ينعكس إيجابا على الكاتب والناشر والمروج في آن واحد.
هذه الفكرة القاصرة وغيرها من الأفكار الخاطئة حول النقد هي التي تجعل بعض الكتاب وخصوصا المبتدئين منهم لا يستوعبون عملية النقد و لا ينفتحون عليها. أثناء كتابتي لهذا المقال أطلت عليَّ عبر "الوتس أب" إحدى المثقفات العزيزات لتقول لي: "إن النقد جميل يُشعر المرء بالسعادة لانه وجد من يقرأ أفكاره ويعطيها برهة من وقته و تفكيره". فنقد العمل الأدبي لا يعني أن هناك علاقة سلبية لا مع الكاتب ولا مع الناشر ولا حتى مع المروج للعمل، إنما نعني به هو التطلع الى أعمال أكثر رقيا وإبداعا في مجتمعاتنا الفتية. فالإبداع هو رديف النقد الأدبي ومن لا يستطيع استيعاب النقد لا يُنتظر منه إبداعا.. فمن أجل ذلك فلنعد النظر!