الاثنين، 12 مايو 2014

قراءة في أدب الطفل العماني.. سلسة "أحب وطني"

مثل الكثيرين، جذبني ذلك العنوان البارز واستهوتني الألوان التي عكست شغف وبهجة الطفولة، فترصدت صدوره. وحينما تسلمت نسختي المهداة  وبدلا من أن أرصها على أرفف مكتبتي...

http://alroya.info/ar/citizen-gournalist/citizen-journalist-/99643--q-q

مثل الكثيرين، جذبني ذلك العنوان البارز واستهوتني الألوان التي عكست شغف وبهجة الطفولة، فترصدت صدوره. وحينما تسلمت نسختي المهداة  وبدلا من أن أرصها على أرفف مكتبتي الخاصة بقصص الأطفال، جلست القرفصاء على سجادة،  متخيلة نفسي في عالمي الطفولي لأقرأها. لقد ابتهجت وأنا أشهد رؤية صدور سلسلة ثانية بعد عشرين عاما من صدرو قصتين من قصص "سلسلة بلدي عمان"!

        أعجبتني مبادرة المؤلفة وخوضها غمار مجال أدب الأطفال، ذلك الأدب السهل الممتنع كما أشرت اليه في مقالي المنشور قبل قرابة شهر في جريدة عمان تحت عنوان: "أدب الطفل في شراك السهل الممتنع!". لكن جلستي القرفصاء على السجادة مستحضرة عالمي الطفولي سرعان ما تغيرت لتتخذ جلسة جادة على الكرسي والطاولة، لأقرأ سلسلة "أحب وطني" بعين المتخصص في كتابة قصص الأطفال. لقد اجتهدت المؤلفة في زرع حب الوطن عبر سلسلتها "أحب وطني"، و اجتهدت أنا بعد تردد طويل في كتابة قراءتي هذه حول السلسلة بعد أن كتبت مقال "أدب الطفل في شراك السهل الممتنع!".

كما ذكرت في مقالي المشار إليه أعلاه "أن هذه السهولة لهذا الأدب (مع الأسف) تجعل الكثيرين يتجرؤون الخوض فيه. وبين هاتين الكلمتين "السهل والممتنع" هناك بحر واسع من المصطلحات والأفعال التي قلما يدركها غير المتخصصين أو المتابعين لهذا الأدب!"

تتكون سلسلة "أحب وطني" من ثمان قصص تتناول مواضيع تخص الإنسان والبيئة والسلوك. هذا التنوع الجميل في المحتوى لا يقابله (مع الأسف) مهنية راقية في الإخراج والتنسيق والكتابة الأدبية الفنية في مجال قصص الأطفال. كما أنها تفتقد لغة سليمة منسابة من الناحية النحوية وتراكيب الجمل وتناسبها مع الكتابة للصغار. وظهرت بعض الصيغ مخالفة للأدبيات التربوية في محتواها. في هذا المقال سوف أركز على عدد من النقاط والتي ستُعنى بشكل أكبر بجانب الضعف الفني بالصياغة القصصية مع تطرق سريع لجوانب أخرى.

        أولا: في عالم الكتابة القصصية، وخصوصا في عالم الكتابة للأطفال، من الجيد أن يَظهرَ بطلُ القصة في بداية العمل وقد وُفقت المؤلفة في ذلك. لكنها لم تدرك أبعاد اختيار اسم بطل القصة من ناحية النطق أو حتى تناسقه وتناسبه مع عالم الطفولة. فاسم "شَيْخة" رغم جماله إلا أنه غير سهل النطق. والنطق الدارج غير مطابق للنطق السليم باللغة العربية الفصيحة. فكيف سينطق الطفل حديث العهد بالقراءة اسما يبدأ بالشين المفتوحة و في وسطه ياء.. فهل هي ياء المد أو ياء مسكونة أو مشدودة؟

        ثانيا: عدم تحديد الفئة العمرية للسلسلة أوجد تذبذبا في أسلوب وتوجه القصص. إن عملية تحديد الفئة العمرية التي تستهدفها السلسلة تسهم في الإمساك بنهج كتابي واحد كما تجعل عملية تحديد الأفكار المطروحة وأسلوب عرضها تتكاملان في تناسق وانسجام. وتتوجه محتويات معظم قصص السلسلة إلى المجموعة الأصغر سنا والتي تتراوح بين العام الرابع والخامس من العمر تقريبا، لكن بعض القصص مثل قصة "اللهم احفظني.." أو "الشيخة.... و النخلة" على سبيل المثال، فهي تناسب في محتواها الأطفال أكبر سنا.

        ثالثا: عالم القصص والروايات هو عالم الإبداع والابتكار والخيال. وتتجلى أهمية الإبداع في الكتابة القصصية للأطفال عبر عدد من الآليات. 1) المشكلة أو الحبكة: لابد أن تكون حبكة القصة قوية وتطرح في صيغة سؤال جميل يُعنى بمحتوى القصة. 2) الحل: لابد أن يتسم حل مشكلة القصة أو حبكتها بالإبداع. فالأسلوب الإبداعي يهدف إلى وضع الحل بين يدي الطفل بشكل غير متكلف وبأسلوب منسجم مع أحداث القصة التي تمضي نحو تقديم حل أو جواب لسؤال القصة مع الابتعاد عن التفاصيل التي لا تتعلق بالسؤال الرئيسي. 3) لغة الكتابة: لغة كتابة قصص الأطفال تتسم بمفردات تتناسب مع الفئة العمرية التي تتوجه لها القصة من حيث المعانـــي. و لابد لهذه المفــردات أن تصاغ بلغة راقية وسلسة وعبر جمل قصيرة ومتناغمة. 4) لابد لنهاية القصة أن تقدم الحل بشكل مبدع وجميل لا يشوبه خلل التوجيه المباشر أو النصح أو الوعظ. 5) أخيرا، الرسم والإخراج هما عمليتان مهمتان جدا في العمل الأدبي للأطفال. أما جانب رسومات أحداث القصة فلن أتطرق اليه تاركة الأمر لمن هم أكثر مني اختصاصا في هذا المجال!

عند قراءة قصص سلسلة "أحب وطني" فأنت تفتقد الحبكة الممتعة التي تشد القارىء لقراءة القصة وتجذبه نحوها بطريقة إبداعية راقية. فكاتب الأطفال المبدع يحاول وضع حبكة قصصية جميلة تتناسب مع عالم الطفولة المبدع. فمثلا عند قراءة قصة "أحب..عمان" (كحال غيرها من قصص السلسلة) لا تجد أية حبكة قصصية بمعناها المبدع وإنما على الغالب هناك تساؤل بسيط أو سرد سطحي تقريري لا يتطلب حلا. لهذا يأتي الحل بعيدا عن فعل الطفل وبأسلوب تقريري أو نصح مباشر. وقد صيغت القصص بأسلوب بعيد عن التلقائية المتصف بها عالم الطفولة أو الانسيابية والبساطة التي يتحلى بها عالم الصغار. فالملاحظ على جميع القصـــص الأسلـــوب التقليدي القديم وإذا وجدت مشكلة في قصة ( كما هو الحال في قصة قطرة ماء.... ونقطة كهرباء) فإن أحداث حل تلك المشكلة تحتاج الى إبداع. واللغة المستخدمة في معظم القصص هي اللغة التقريرية كما في قصة "كلنا أخوة" وقصة "أحب أن أعمل" بعيدا عن اللغة الوصفية التي نادرا ما يكون لها ظهور. كما تفتقد هذه السلسلة الإخراج الفني سواء من حيث نوعية الخط المستخدم في كتابة القصص أو التنسيق العام للقصة. فالخط المستخدم في معظم القصص غير متناسب مع الفئة العمرية، كما أن الفراغات بين الكلمات متذبذبة بحيث أنها تصغر في بعض الحالات. أما عملية التنسيق (فمع الأسف) تشير إلى نقطة واحدة هي ضعف الخبرة. في ضوء هذه المعايير فإن سلسلة "أحب وطني" لم تحظَ فنيا بدرجة "جيد" من عملية التقييم.

        رابعا: لغويا، ظهرت العديد من موارد الضعف اللغوي في السلسلة والتي تتنافى مع أصول الكتابة بشكل عام، وتشكل خللا لا يغتفر لكاتب الأطفال، منها: 1) الأخطاء النحوية والتي كان بالإمكان تداركها من خلال عملية التدقيق اللغوي، مثل "ولكن العمانيون.." وغيره كثير. 2) الجمل الطويلة غير المتناسبة مع عالم الطفولة. 3) استخدام غير سليم للكلمات "عشت كثيرا" بدلا من "عشت طويلا". 4) وضع ثلاث نقاط أو أربع في عناوين السلسلة مثل "شيخة... والسلحفاة" و التي ليس لها أي مرجع في قواعد الإملاء أو عملية الترقيم.

        خامسا: هناك بعض النقاط التربوية التي أضعفت القصة مثل "الأسلوب الوعظي" في نهاية القصة والتي لم تعد من الأساليب المستحسنة تربويا أو أدبيا. كما أن عملية نصح الأطفال لآبائهم كما هو وارد مثلا في قصة "اللهم احفظني.... على الطريق" تشير إلى أهمية مراجعة المؤلفة لبعض الأدبيات التربوية.

وأخيرا، هناك حاجة شديدة إلى كُتَّاب في مجال الكتابة للأطفال، كما أن الخوض في هذا الجانب مهم جدا. إلا أن عملية الكتابة للطفل هي مسؤولية وطنية لا بد أن يكون الإنسان مؤهلا لخوضها. إن محاولة المؤلفة تَحمُّلَ هذه المهمة الوطنية انطلق من حرصها الوطني، إلا أن التساؤل يتوجه نحو المؤسسات أو الأفراد الذين ساهموا في نشر كتب غير مستوفية الشروط بين أيدي أطفالنا من غير عناء الاطلاع  والفحص وبالتالي الانجراف والانغرار خلف بهرجة الاعلام. وحينما تجد كتابا من هذا النوع في أيدي الأطفال عبر حملة تهدف إلى تحبيب القراءة للطفل تستغرب أن تتم الاستهانة بعقلية طفل يراد له أن يكون قارئا، ولا تقوم المؤسسة ببذل أي جهد في مراجعة كتاب بالرغم من أن الحملة يشرف عليها كتاب وصحفيون!!

"حب الوطن" ليست كلمتان تقال أو ردات فعل تعرض. "حب الوطن" فعل يُعاش ونبضٌ ينبُض في كل الأوقات والأزمان! فمع نسمات طرية تحمل بين جوانبها شذى من حب الوطن، أرجو لكم فسحة تتنفسون عبرها عبق قراءات مختارة من أدب الطفل، لتشعروا بنبض الطفولة وجمالية الإبداع، وحينها فقط يتاح لكم مجال المقارنة وبالتالي الحكم!