الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

المشهد الثقافي في سلطنة عمان و معوقات التطور! 2/2

يتطرق الدكتور سليمان إبراهيم العسكري في مقاله: “وطن الثقافة..الهوية الأكبر..” إلى أن مرجع جميع الصراعات التي تجتاج العالم هو الاختلاف في الفكر و الرأي و العقيدة والطائفة والتباينات في الأعراق ...
في هذه الحلقة نواصل عرض العنصرين الآخرين المؤثرين في تطور المشهد الثقافي العماني، وهما: ضيق الأفق وجماعة السلطة.
ثانيا: ضيق الأفق.
يتطرق الدكتور سليمان إبراهيم العسكري في مقاله: “وطن الثقافة..الهوية الأكبر..” إلى أن مرجع جميع الصراعات التي تجتاج العالم هو الاختلاف في الفكر و الرأي و العقيدة والطائفة والتباينات في الأعراق واللغات. ثم يتساءل حول الأسباب التي تحول دون أن تصبح ثقافة الأمة الواحدة حاضنة لتلك الهويات المختلفة. و يؤكد الدكتور أن “انعدام مبدأ المساواة هو لب المشكلة..”(9). وانعدام هذا المبدأ في الشأن الثقافي من وجهة نظر الدكتور هو تعامي الدولة عن الاختلافات بين الجماعات المكونة لها، وعدم الاعتراف بحقوق هذه الجماعات المتنوعة. ومن أجل إصلاح ذلك الخطأ – يشير الدكتور العسكري- بأنه لابد أن تُمَدَّ جسورُ التعارف بين مختلف الجماعات و الاعتراف بحقها في ممارساتها الثقافية. إلا أن الممارسات الثقافيه التي تحول دون ذلك التعارف من جانب الدولة هو ما يسميه الدكتور عبدالعزيز المقالح بـ “مجموعة الثقافات”. فيشير الدكتور المقالح في مقاله: “واقع الثقافة العربية لا يعالج بالقمم” إلى مجموعة الثقافات التي نعيشها في الواقع العربي أبرزها: ثقافة متقدمة عديمة التأثير في الشارع وثقافة الوسط التي تحاول القفز على الأعراف والتقاليد الموروثة وثقافة سلفية منكفئة على نفسها وأخيرا ثقافة التماهي…”(10). و يشير الدكتور المقالح في مقاله إلى نقطة الخوف من الآخر. ويذكر أن الخوف من الآخر هو نتاج عصور الانحطاط. ويتطرق الى نقطة في غاية الأهمية هي أن الثقافة “نتيجة التفاعل والوعي المتبادل عبر القرون”، ولهذا فإن الثقافة العربية ليست بحاجة إلى قمم “قدر حاجتها الى مواقف حقيقية وإيجابية إزاء الشأن الثقافي بعامة”. هذه النظرة الكلية التي تطرق لها الدكتور المقالح قد لا تستوعب من الجيل الحالي. فيذكر الكاتب سامي حسون أن الجيل الحالي غير قادر على الفصل بين القيمة الأدبية للنص وبعده الأيديولوجي.
إن ضيق الأفق الذي يعاني منه البعض يظهر من خلال التعامي عن رؤية ثقافة الآخر والاعتراف بها. وقد يكون ذلك التعامي نهج دولة أو قد يعكس سياسة أفراد أنفسهم كما نريد أن نؤمن به في سلطتنا الحبيبة. لهذا تجد شاعرا في مقام السيد بدر بن هلال البوسعيدي ينظم قصيدة في مدح الإمام الحسين حفيد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وهذه القصيدة تُبَثُّ عبر أثير الإذاعة العمانية لأنها إنتاج مبدع لشاعر عماني كبير،غير أن مقالا حول هذه القصيدة في مناسبة عاشوراء يمنع نشره في إحدى الملحقات الثقافية في السلطنة. في ظل هذه الأيديولوجية الضيقة الأفق التي تمارس حق الاحتكار الثقافي على الأيدلوجية الأقل انتشارا في الدولة هو سؤال يثير الكثير من التساؤلات. فكيف يمكن لرواية مثل “الصيحة” أن تجد لها متسعا؟
ثالثا: جماعات السلطة.
يكاد لا يخلو المشهد الثقافي من كلمات معينة تنسحب على أكثر من صورة أو مغزى منها كلمة “السلطة”. وكلمة السلطة ظاهرها قد يشير الى الدولة وكيانها العام إلا أن آلية هذه الكلمة ينسحب إلى القدرة السلطوية التي من الممكن أن تمارسها مجموعة ما ضمن منظومة ما. وللسطة في المشهد الثقافي العربي إسهامات أدبية واضحة على مستوى الشخوص و الأفكار و الأدوار. هذه المستويات الثلاثة: الشخوص والأفكار والأدوار تتكامل ضمن صورة واحدة يتم تأهيلها في الوسط الثقافي، كما نشهد في بعض الحالات الطفو المفاجئ على السطح لشخصيات لا يُعرف لها أصل أو منحى. كما أن أشخاصا آخرين يظلون متربعين على قوائم صدارة بعض المؤسسات الثقافية أو يتم وضعهم ضمن اللجان الرئيسية التي تدير المشهد الثقافي لردحٍ من الدهر غير قصير. ونادرا ما تتغير الوجوه في بعض تلك المؤسسات صونا لقانون التصويت كل أربعة أعوام لتبقي قواعد اللعبة تحت السيطرة. وهكذا فإن اللاعبين يتقاسمون العديد من الأدوار بين مختلف الشلل الثقافية (سواء في اللجان أو الأسفار التي تُعنى بالشأن الثقافي)، إلا أن التعرف على تلك الأدوار لم يعد متعسرا. قبالة تلك المنظومة السلطوية، يقبع المستقلون خارج الإطار و بعيدا عن أية إمكانية من الاستفادة من الوضع العام أو التغلغل فيه.
لقد استفاض المفكرون والمثقفون في موضوع علاقة المثقف بالسلطة. وطرحت العديد من التعاريف التي تناولت معنى ودلالة الكلمة. فمن وجهة نظر الدكتور علي شريعتي فإن كلمة المثقف “تطلق على فرد من طبقة أو شريحة معينة تقوم بعمل عقلي”(11). و يميز الدكتور شريعتي بين نوعين من المثقفين: المثقف الأصيل والمثقف المقلِّد. فهو لا يعتبر كل صاحب شهادة مثقفا لأنه يرى أن كلمة “المثقف لا تحتاج إلى تفسير أو تحليل، فهي تعني صراحة ذلك الذي يتميز بوضوح الرؤية و سعة الأفق .” (12). و هذه الصفات من وضوح الرؤية و سعة الأفق يتسم بها أصحاب الشهادات كما يتسم بها غيرهم من المختصين في المهن الأخرى من غير حملة الشهادات. و في هذا الصدد يشير الدكتور إدوارد سعيد إلى أن المثقف “هو من لديه أفكار يعبر عنها لغيره (أي للجمهور) في محاضرة أو حديث أو مقال أو كتاب”(13). وتعريف الدكتور إدوارد سعيد لا يختلف عن تعريف الدكتور شريعتي كما أن هناك شبه إجماع بين رأي الدكتورين بشأن دور المثقف. فمن وجهة نظر الدكتور شريعتي فإن دور المثقف (يشبه) الدور الذي يلعبه قادة التغيير والتبديل أي الأنبياء و الرسل. و في هذا الصدد فإن الدكتور إدوارد سعيد يؤكد على أهمية استقلال كل مثقف عن السلطة “بمعنى عدم الارتباط بقيود تحد من تفكيره أو توجه مسار أفكاره مهما تكن…”، و يؤكد أيضا على “ضرورة استمساك المثقف بقيم عليا مثل الحرية ولعدالة…”(14). وفق هذه الرؤى فإن السؤال الذي من الأهمية طرحه هو: هل من الممكن أن نسمي جميع أصحاب الشهادات أو الأقلام في المشهد الثقافي في مجتمعاتنا ودولنا بمثقفين؟ و يا ترى ماذا ستكون نسبة المثقفين وفقا لهذه النظرة؟
لا يعنيني الغوص في الأدوار المختلفة التي يؤديها من يسمون بـ “المثقفين” في المشهد الثقافي العماني، لكن ما ما يعنيني هو أنهم –بضيق أفقهم و انحصار اهتماماتهم في أمورهم الشخصية– عجزوا عن أن يسهموا في تطوير المشهد الفكري والأدبي والثقافي في السلطنة. فالمشاهد الأدبية والثقافية لا يمكنها أن تجد لها مرابع خضراء لتتطور وتنمو في أجواء مليئة بالشللية وضيق الأفق وتأثير المصالح الذاتية. وهذه الفقاعات الإعلامية التي نسمع عنها بين الحين والآخر هنا وهناك (فمع الأسف) لم تضف إلى الثقافة أو تطور مسيرتها. وهنا يستحضرني مثال تطرق إليه الأستاذ صموئيل شمعون في محاضرته بالنادي الثقافي بتاريخ 7 يناير 2014، حين أشار إلى أنه في عام 2003 أو 2004 أقامت الجامعة العربية حفلا كبيرا في ألمانيا صرفت فيه الملايين من الدولارات من أجل تلميع صورة الأدب العربي إلا أن النتيجة التي حُصِدت هي انخفاض مبيعات كتب الأدباء العرب في العام التالي. إن التسابق في عملية تلميع صورة الوطن الثقافية على حساب القيم العليا ليست من مقومات وطن ذي حضارة و تراث وإنما هي كما يشير المفكرون ليست إلا مساعي “المثقفين [الذين] يحاولون الاستفادة من السلطة فيتسللون إليها من خلال خدماتهم للسلطة من دون حتى أن تطلب منهم هذه الخدمة”(15)، ونتيجتها حتما لن تكون أفضل مما جنتها الجامعة العربية.
إن المسيرة الثقافية والفكرية في سلطنة عمان ليست حديثة العهد، فهناك الكثير من الأسماء اللامعة في المجال الأدبي والثقافي والعلمي لا يستطيع أحد إنكارها. وإذا كان هناك عجز عن ولادة فحول مبدعة، فإنه لا ريب حالة مؤقتة ستجد من ينتشلها كما هو الحال في قطاعات أخرى أخذت مسلكها في عملية التطهير. إن عملية المطالبة بأهمية تغلب الساحة الثقافية العمانية على هذه المعوقات أصبح مطلبا وطنيا. فسلطنة عمان بتاريخها المتميز و تراثها العميق وإنسانها الضارب في الحضارات تستحق أن تأنس بمثقفين استوعبوا معنى كلمة الثقافة ، لا سماسرة في مزادات المصالح الذاتية!
المصادر:
9) سليمان إبراهيم العسكري (الدكتور). وطن الثقافة.. الهوية الأكبر. مجلـة العربي (العدد 640) 2012.
http://www.alarabimag.com/Article.asp?Art=11925&ID=25
10) عبدالعزيز المقالح (الدكتور).. واقع الثقافة العربية لا يعالج بالقمم. مجلة العربي (العدد 631) 2011.
12-11) علي شريعتي (الدكتور).. مسؤولية المثقف. دار الأمير للثقافة و العلوم ، 2007. لبنان ، بيروت.
1314-) إدوارد سعيد (الدكتور). المثقف و السلطة (1996). رؤية للنشر و التوزيع.
15) سعاد العنزي. نوافذ 2013. http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-91-189091.htm