الاثنين، 20 يناير 2014

الوحدة الإسلامية: الحـلم المتجـدد!

كلمة «التلبية» تأتي بصيغة «لبيك» أي أجبتك لطلبك، والتلبية هي واحدة من واجبات الإحرام عند أداء فريضة الحج أو العمرة، فتقول:«لبيك اللهم لبيك…». وفي مواقع كثيرة خرج المسلمون هاتفين بهذه التلبية ملبين نداء الله سبحانه وتعالى...


ملاحظة: تم تغيير مصطلح علي الوردي "وعاظ السلاطين" الى "وعاظ الحكومات" في المقال المنشور في الجريدة،  لا افهم سبب التغيير و لا اتفق معه. 


http://main.omandaily.om/?p=67162

كلمة "التلبية" تأتي بصيغة "لبيك" أي أجبتك لطلبك. و التلبية هي واحدة من واجبات الإحرام عند أداء فريضة الحج أو العمرة، فتقول: "لبيك اللهم لبيك ...". و في مواقع كثيرة خرج المسلمون هاتفين بهذه التلبية ملبين نداء الله سبحانه و تعالى لتأكيد سيرهم على النهج الذي دعا اليه سيد البشر رسول الله محمد صلوات الله و سلامه عليه وآله، و لسان حالهم: "لبيك يا رسول الله".

في عالمنا المعاصر تعددت الإهانات التي وجهت الى الرسول صلى الله عليه و آله و سلم. فمن الرسوم الكاريكاتورية و الأفلام المسيئة إلى شخصيته الطاهرة.. إلى حرق القرآن الكريم. لم تكن هذه الإهانات بمعزل عن التخطيط العالمي الذي يستهدف الإسلام و المسلمين. إلا أن عبارة "لبيك يا رسول الله" التي تتوق إليها حناجر سنية و شيعية و أباضية و زيدية و غيرها من المذاهب الإسلامية كفيلة في كل مرة يُستَهدَفُ فيها الإسلام أن تُهَدِّمَ بنيانهم عليهم. فكان الإسلام يخرج منتصراً بأتباع جُدَد و أيادٍ ترتفع متحدة مجددة التلبية فعلاً و قولاً. و أمام هذا السد الإسلامي المنيع، وقف الغرب مذهولا في ماهية هذا الحب المحمدي الذي يجري في الوجدان الإسلامي. فمحمد صلى الله عليه و آله و سلم لا يخص فئة بشرية محددة رغم أصله القرشي العربي،  فهو رسول و نبي بُعث للعالمين و وجدت مختلف الأجناس البشرية فيه نبياً و رحمة مبعوثاً إليها. فخابت المكائد الإستعمارية الصليبية و الصهيونية حينما تشابكت الأيدي المسلمة لترد صدى تلك الأصوات المنبوذة الى نحرها قبل أن تفك عرى الأخوة الاسلامية أملا في استباحة معتقدات المسلمين. لكن السعي الشيطاني متواصل.. فهل نجحت او ستنجح تلك المكائد؟

في مواجهة السياج البشري المتماسك بالأيدي و المتحد بالقلوب و النفوس في حب رسول الله محمد صلى عليه و على آله و سلم، و الصادح بدعاء الوحدة الاسلامية تتساقط المكائد الصهيونية و الصليبية. و عند الصلاة التي يقيمها سني أو أباضي أو شيعي يقف المسلمون معا مكبرين و ملبين،  فتتقزم حينها تلك العقول البشعة التي تخطط و تدبر و يتلاشى وجودها أمام قوة اهتزازات الصوت الإسلامي المجلجل. إلا أن العقل الشيطاني الذي يقبع متوعدا  في حواره مع رب العالمين لا يكل و لن يكل أو يتعب: "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ* قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ"(الاعراف 12:18). 

يكشف هذا الحوار الإلهي مع إبليس بأن هناك أنواعا متعددة من البشر. و من خلال هذا التنوع البشري المتفاوت في مستوى طاقاته و إمكاناته تتغلغل شياطين الإنس مستغلة نقاط الضعف لتلج منها لتحقيق مآربها الشيطانية. و هنا تبدأ عملية العجز عن تلبية النداء المحمدي فتتساقط أوراق التوت التي  يتستر خلفها صائدوا الهوى و المال و المناصب. فالنجاح الذي كان مؤملاً بتحطيم العقائد الإسلامية خاب أمام تلبية النداء المحمدي إلا أنه  استطاع عبر ثغرة الضعف البشري أن يحقق بعض مآربه و يؤسس بالتالي كيانه الشرير. يتلخص الضعف البشري في عدد من النقاط أهمها المال و الشهوات و السلطة. إضافة إلى ذلك فإن ما ابتلي به المسلمون أيضا و الذي حول ذلك الضعف البشري مكسبا لقوى الشر هم من يسميهم المفكر علي الوردي "بوعاظ السلاطين". فهؤلاء الوعاظ أقروا أسسا تعليمية ولدت إزدواجية في الشخصية المسلمة من جهة، و ساهمت في تنمية النعرات الطائفية و الجاهلية من جهة أخرى.  و بين هذا و ذاك غابت الشخصية المسلمة الواعية لتحل محلها شخصيات تحمل شهادات و معارف، إلا أن تلك الشخصيات خاوية جوفاء من الوعي و الإدراك و الحكمة و الإنسانية. و هذا ما أستفاد منه أعداء الاسلام و أسسوا عليه بنيانهم المتآكل. فأنفرط العقد اللؤلؤي للوحدة الاسلامية و أنفكت الأيدي المتكاتفة أمام السوس الناخر في كيان الأمة الإسلامية تحت شحن العصبيات الطائفية و التناحر المذهبي.

هذا الواقع التناحري لم يكن للقوة المعادية أن تكرسه لصالحها ، لولا بعض رجال الدين الذين ساهموا في ذلك من خلال بعض أطروحاتهم في فهم  الوحدة الاسلامية. فمفهوم الوحدة الإسلامية في تلك العقول هو ذوبان الأقلية في الأكثرية. و هذه الدعوة لعملية الذوبان أو ما تسمى وفقا للداعين إليها "التماسك" هي في الواقع دعوة الى الجمود و الانحسار. و هذا ما أشار اليه الدكتور علي الوردي "إن المجتمع البشري لا يستطيع أن يعيش الاتفاق وحده فلابد أن يكون فيه شيئ من التنازع أيضا لكي يتحرك الى الأمام". فعملية الاختلاف هي سنة كونية ضمن معاييرها الإنسانية حيث يقول القرآن الكريم "و لو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالون يختلفون" (هود 11). إضافة الى ذلك يشير العلامة محمد حسين فضل الله الى أن من مشاكل المسلمين هو أن "التربية العامة و الخاصة تؤكد على الشخصية المذهبية في انتماءاتها قبل التأكيد على الشخصية الاسلامية العامة". و في هذا الصدد يستحضرني حدث جرى بعد عودتي من الدراسة من الولايات المتحدة. التحق ابني الذي كان وقتها في الصف الثاني الإبتدائي بإحدى المدارس الخاصة. و بعد عدة أيام أتاني سائلاً: ما معنى الشيعة و السنة؟ نظرت إليه متسائلة، فلم يخطر في ذهني  طوال وجودنا في الغربة أن نثير أمامه قضايا مذهبية فكل ما كان يصل إليه: "أنت مسلم". إلا أن واقعنا -و مع الأسف- يجذر في الطفل منذ عمر مبكر المذهبية الدينية بدلا من العقائد الإسلامية. و بهذا يتحرك المسلم الشيعي و السني في خطوط متوازية كل يؤكد كما يوضح العلامة فضل الله على "مفردات المذهب المليئة بالحساسيات و التعقيدات المختنقة بالزوايا المغلقة للتاريخ الغارق في عصيانه". فرغم هذا التاريخ الاسلامي المليء بالمشاحنات الا أن المسلمين الأوائل عاشوا التكامل بهدف إعلاء راية الاسلام. فلم يكن التاريخ يشكل خطوات مسيرتهم بل كان النهج المحمدي الإسلامي هو الذي يصيغ دربهم من أجل خدمة الاسلام. يقول الامام علي (عليه السلام) في هذا الصدد: ".. فخشيت إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة عليَّ فيه أعظم..." (نهج البلاغة). 

المسلمون في مشارق الأرض و مغاربها يحتفلون بمولد سيد البشر، باختلاف في التاريخ بين الثاني عشر من ربيع الأول و بين السابع عشر منه. غير أن العقلاء من أمة محمد صلى الله عليه و آله وسلم وجدوا في هذا الاختلاف سبيلا للوحدة فأصبحت الأيام الفاصلة بين هذين التاريخين "أسبوعا للوحدة الاسلامية". و في هذا الأسبوع لا بد أن نؤكد كما يشير العلامة السيد محمد فضل الله على أن الإسلام "يمثل الوحدة العميقة بين المسلمين و إن اختلفوا على أكثر من جانب في التاريخ و التشريع و الفلسفة. و لذلك فلنصغ الى نداء الله سبحانه: "إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فأعبدون* و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم" .

 "لبيك اللهم لبيك.." يجدد هذا النداء حلمنا بالوحدة الإسلامية الذي يكاد يُجهَض. لهذا سنظل نلبي حتى تذوب الشحناء و يحل السلام و الوئام بين المسلمين جميعاً محققا حلما ساميا في الأخوة و الترابط. حينما تنطلق "لبيك اللهم لبيك" صادقة من حناجر المسلمين ستؤسس لـ "خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر"، أمةٍ على خطى سيد البشر" الذي خاطبه رب العالمين: "و إنك لعلى خلق عظيم". و أخيرا،  أبارك لكم المولد النبوي الشريف و كل عام و الإنسانية جمعاء في خير و سلام و إخاء!