الثلاثاء، 22 مايو 2012

سعادة العضو: اعذرني.. فأبناؤنا للتجارب!

الاستفادة من إيجابيات التعلم التكاملي".. كان المحور الأساسي للندوة التي عقدت يوم 20 مايو 2012 في فندق الفلج. وحضرها مديرو مدارس وبعض المعلمين من مختلف مناطق السلطنة من مدارس الحلقة الأولى المطبقة للتعليم التكاملي...

 

http://alroya.info/ar/citizen-gournalist/citizen-journalist-/34162-----


الاستفادة من إيجابيات التعلم التكاملي".. كان المحور الأساسي للندوة التي عقدت يوم 20 مايو 2012 في فندق الفلج. وحضرها مديرو مدارس وبعض المعلمين من مختلف مناطق السلطنة من مدارس الحلقة الأولى المطبقة للتعليم التكاملي. بعض تلك المدارس طبقت التعلم التكاملي منذ بداية تطبيق هذا النظام، وبعضها لا يزال في السنة الأولى أو الثانية من عمر تطبيقها له.. وبعض هؤلاء التربويين قد درَّسوا في الأنظمة الثلاثة للتعليم: العام والأساسي وأخيرا التكاملي. لقد كان الهدف الأساسي من الندوة  التي ضمّت هؤلاء التربويين هو الاستفادة من التعليم التكاملي.. عنوان بليغ يشد حتى الخبراء غير المعنيين عن قرب لحضور هذه الندوات؛ فالتعليم هو الهاجس الأساسي لكل مخلص ومحب لهذا الوطن.
عدة أوراق عمل تم تحضيرها من قبل مختصين بالمناهج، وقد كانوا موفقين في تقديم أوراقهم؛ الورقة الاولى - والتي كان عنوانها: المنهج التكاملي: التطلعات والإيجابيات والصعوبات" - قدمها الدكتور عبدالله الخروصي. والورقة الثانية - وكانت حول تطوير مناهج اللغة العربية: الصف الأول الاساسي أنموذجًا. والورقة الثالثة - كانت حول لقاء الصباح. وأخيرا: دارت الورقة الرابعة حول برنامج مهارات التحدث باللغة العربية الفصحى.. الوضع الحالي والخطة المستقبلية.
لقد كانت الورقة الأولى هي الورقة المحورية التي ألهبت آمال التربويين بعد أن  دارت الكثير من الأحاديث حول أن المنهج التكاملي آيل إلى الزوال. وهذا ما شاع منذ أن تصدرت معالي الدكتورة وزيرة التربية والتعليم دفة قيادة الوزارة بالرغم من أن معاليها كانت من ضمن الفريق التابع لوزير التربية والتعليم السابق؛ حيث أسهمت وشاركت في لجان عديدة ولم يعرف إن كان لها رأي مخالف أعلنت عنه صراحة لما كان يجري في المجال التربوي في ذلك الوقت، كما عرف عن أشخاص آخرين تم حصارهم ومحاربتهم! فقرار مثل هذا (أعني بإلغاء منهج) اتُخِذ منذ البداية، كان مثيرا للجدل والنقاش، وقد أسهمت جلسات مجلس الشورى في تهدئة الوضع حين صرح أحد أعضاء المجلس قائلا بأن: "أبناؤنا ليسوا فئران تجارب". وقتها قالت معاليها مطمئنة أصحاب السعادة أعضاء المجلس بأن المنهج سوف يخضع للتعديل.. وهذا لا يعني حسب معرفتنا باللغة "الإلغاء".
هذه المقدمات الجميلة بالنسبة للمنهج التكاملي والتي أتت متناسقة مع الورقة الأولى التي عرضت الكثير من النتائج الإيجابية كثمرة تطبيق المنهج التكاملي مثل قدرة الأطفال في الصفين الأول والثاني على القراءة والكتابة بمستوى جيد، والقدرة على التحدث باللغة العربية الفصيحة والثقة بالنفس والدافعية للتعلم؛ حتى إن إحدى التربويات ذكرت لي بأن ابنها الذي هو في الصف العاشر وقد درس في المدارس الخاصة، أشار إلى أن اخاه الذي هو في الصف الثاني أكثر قدرة منه على القراءة! والدراسات سواء تلك التي موُّلت من قبل الوزارة أو التي قام بها طلاب الماجستير في جامعة السلطان قابوس توصلت إلى نتائج تضمنت عددا كبيرا من الإيجابيات لهذا النظام التكاملي. هذه النتائج الإيجابية لم يقابلها سوى بضع ملاحظات سلبية والتي لا يمكن أن يخلو أي منهج منها، مع العلم بأن بعض هذه الملاحظات ترجع إلى تقصير الوزارة في توفير الإمكانيات من وسائل تربوية وغيرها لتتكامل مع احتياجات هذا النظام. إن محاضرة الدكتور عبدالله الخروصي كانت فعلا لافتة للانتباه، فنتائج الدراسات المختلفة التي أجريت حول المنهج التكاملي كانت باهرة.
أمام تلك النتائج التي أيدها الحاضرون من معلمين ومديري مدارس الذين مرَّسَهم الميدان، كان المتوقع هو استمرار المنهج التكاملي بعد إجراء التعديلات البسيطة التي أشار إليها التربويون؛ سواء تلك التي تتعلق بعملية التقويم أو حصص الرياضيات أو نصاب المعلم. وقد أشارت أحد المعلمات التي كان لها باع طويل في الميدان التعليمي بأنظمته الثلاثة أنها تشعر بالمتعة أثناء تدريس المنهج التكاملي بالرغم من ارتفاع نصاب الحصص. إلا أن هذه المعلمة عاشت الرجاء بأوسع أبوابه في تراجع الوزارة عن قرارها الذي أعلنه وكيل الوزارة للتعليم والمناهج سعادة حمود بن خلفان الحارثي؛ بقوله: (بعد أن استمع إلى المحاضرة وما أعقبها من تعليقات التربويين) فإن "القرارا هو إلغاء المنهج التكاملي"! هنا ثارت حفيظة معظم التربويين.. فلماذا أقيمت هذه الندوة بينما القرار قد اتخذ سلفا؟
لقد كشفت هذه الندوة التي استهلها سعادته بأنه بناء على توجيهات صاحب الجلالة في مجلس عمان تتم علمية تقييم المناهج. في الحقيقة بالنسبة لي فإن أهمية التقييم لا تقع في إلغاء منهج او إقرار آخر وإنما عملية التقييم لابد أن تراعي الكثير من الأسس البناءة والتي لا يختلف عليها اثنان مهما كان مستواهما العلمي فما بالك بحاملي  شهادات الدكتوراه؟! فتقييم منهج وتغييره لا يتم بهذه العجالة والعشوائية. مع العلم بأن مرئيات من هم في الميدان جميعها تذهب إلى عكس ما قررته الوزارة. فماذا وراء الأكمة، والذي لا ينبغي على التربويين والذين من المفترض أن يكونوا ضمن صانعي القرار معرفته؟ وهل استطاع المسؤولون في الوزارة استيعاب وفهم حكمة جلالته في تقييم التعليم؟ وحينما يدعو جلالته إلى تقييم التعليم فإن عملية التقييم تشير إلى التأني والعمل المشترك وبعدها ننشد ثمارا طيبة المذاق وليست عشوائية المنشأ.. لأنها سوف تتلف سريعا! ألا يجدر بالوزارة التأني والتفكر قبل أن تحول أطفال عمان إلى حقل تجارب لقرارات غير واضحة المنشأ؟ لقد طرح وكيل الوزارة عددا من المبررات والتي - في الحقيقة - لن تستطيع الصمود أمام أي نقاش منطقي. فقد ذكر سعادته قائلا بأن عملية التغيير تخضع لعدد من الأمور من أهمها توحيد المناهج في الحلقة الأولى، وأن تعميم المنهج التكاملي سوف يحتاج الى موارد إضافية في الميزانية، كما بيّن سعادته أخيرا، أنه "عند إلغاء قرار توجد مبررات، وعند وضع قرار توجد مبررات.."، لكن السؤال هو: ما هي هذه المبررات؟ أم ان الميدان غير مؤهل لمعرفتها بعد؟ فالمبررات التي سمعت من سعادته اقتصرت على عملية التوحيد ولا يمكن (على ضوء تفكير الوزارة) توحيد منهج له العديد من المميزات بسبب الميزانية! 
ومن المؤسف حقا أن الفهم غير العميق لكيفية بلورة حكمة صاحب الجلالة هي التي يعاني منها بعض المسؤولين. ففي الوقت الذي تحاكي حكمة جلالته عملية الحوار والنقاش وتأصيل حرية الفكر وعدم مصادرة الفكر، نجد أن هناك من يفتقد هذا الجانب حتى في الحقل التربوي. إننا لسنا بحاجة إلى بيوت خبرة لوضع مناهج لنا لأننا ما زلنا نفقتد القدرة على معرفة احتياجاتنا. فبيوت الخبرة التي أصبحت الوزارة تنادي بجلبها وكأنها أصبحت شعارا تتقلده وزارة التربية والتعليم، لن تضيء لنا شمعتنا المحروقة أو تفعِّل وتحفِّز بذرة الفهم والمعرفة والحكمة على النمو. فهي (أي هذه البيوت) لا تعرف سوى مصلحتها الخاصة المحصورة بالنفع المادي وقد عايشنا الكثير من بيوت الخبرة على مختلف الأصعدة وهناك الكثير من التجارب (وقد نستطيع عرضها في مقالات أخرى). إن بيوت الخبرة التي سمعنا عنها الكثير في الآونة الاخيرة لن تتمكن من إعطائك ثمارا طيبة إن لم تكن حكيما في تحديد معطياتك وخياراتك. وحين تكون في مؤسسة لا تعرف خياراتها بوضوح فإن أموالها ستذهب هباء منثورا من غير نتائج ترجى.
الأمل الذي راود الجميع أن تتروى الوزارة قليلا في عملية إلغاء المنهج. فبدلا من الأموال التي ستصرف في وضع مناهج أخرى للعام الدراسي القادم والتغييرات التي سوف يتم إدخالها، كان الأجدر بالوزارة  توفير احتياجات المدارس التي لم يتم توفيرها والاهتمام بالأبنية التي قد تتساقط على رؤوس الطلاب من حيث إعادة تأهيلها وصيانتها. كان الأولى بالمسؤولين في الوزارة إدخال التعديلات التي طالب بها التربويون في الندوة ومن ثم البدء في إجراء مراجعة شاملة ومتأنية تمتاز بالتروي والحكمة وإشراك جميع من لهم علاقة في ذلك ومن ثم الاستعانة ببيوت الخبرة إن كانت هي المفتاح السحري في وضع منهج يؤسس على أسس بعيدة عن العشوائية والقرارات السريعة.. فأبناؤنا ليسوا فئران تجارب!
فقط للعلم، بأنني لم أكن مدعوة لحضور هذه الندوة، ولكني باعتباري خبيرة تربوية في وزارة التربية كان يهمني معرفة ما يدور. وحيث إن ذلك لم يكن يتعارض مع واجباتي الأخرى فحضرتها. وأتمنى في المستقبل ولكوني خبيرة تربوية بالوزارة ان أتلقى دعوة رسمية للمشاركة في مثل هذه الندوات البناءة. فالتعليم في عمان يهمني كما يهم معالي الوزيرة وسعادة الوكيل خاصة وأنني خريجة المدارس الحكومية.