الأحد، 10 يناير 2016

غياب قصص الأطفال تجاه الصراعات القائمة


في عالم يضج بالمتناقضات لم يستطع أدب الطفل العربي أن يشيد جسرا لأطفاله للولوج إلى هذا العالم بفهم وإدراك عميقين.


وصلة مجلة القافلة

http://qafilah.com/ar/%d8%ba%d9%8a%d8%a7%d8%a8-%d9%82%d8%b5%d8%b5-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b7%d9%81%d8%a7%d9%84/

(المقال الكامل)

في عالم يضج بالمتناقضات لم يستطع أدب الطفل العربي أن يشيد جسرا لأطفاله للولوج إلى هذا العالم بفهم وإدراك عميقين. إن التغير الذي لوحظ على أدب الطفل العربي في الآونة الأخيرة هو الانتقال من أدب تقليدي محصور في الأخلاقيات العامة وبأسلوب مجرد، إلى أدب يحمل رسالة أقرب إلى حياة الطفل وبأسلوب أكثر تشويقا عما كان عليه من قبل. لكن و رغم ذلك، فإن هذا الأدب لا زال يرزح تحت عبء متطلبات السوق بعيدا عن أية دراسات جادة تبحث في حاجات الطفل العربي ومتطلباته في عالم يضج بالكثير من الصراعات و الحروب و التناقضات الحياتية.

ابتداء من حرب الخليج الأولى ثم حرب الخليج الثانية و مرورا بما يسمى بالربيع العربي، لم تظهر سوى القليل من قصص الأطفال التي يتقاسم فيها الكاتب مع الطفل تجارب أطفال عاشوا في خضم تلك الأحداث في دول مثل الكويت أو العراق أو تونس أو ليبيا أو مصر و الآن سورية و اليمن وقبل ذلك لبنان و السودان و غيرهما من دول الوطن العربي الكبير. من هذه القصص القليلة التي التفتت إلى عرض معاناة الأطفال العرب على سبيل المثال قصة للكاتبة ثريا البقصمي بعنوان: "مذكرات فطومة" والتي تناولت أحداث احتلال الكويت في التسعينات من القرن الماضي. أما قصة الكاتب التونسي عماد الجلاصي بعنوان "الأسد المخلوع" فقد تناولت أحداث تونس أثناء ما يسمى بالربيع العربي وقد عبرت عن نفس الفترة الزمنية الكاتبة لطيفة بطي حيث تناولت مطالبات الشعب المصري  في قصتها بعنوان: "الشعب يريد حرية واحترام".

وإذا تمعنا في الكتابات الموجهة للطفل حول قضية فلسطين سندرك الشح الشديد الذي يعيشة الطفل العربي. فاحتلال الأرض الفلسطينية منذ عام 1948 لم يثمر قياسا بالفترة الزمنية للاحتلال سوى عن عدد من القصص أو الكتب الموجهة للطفل. لعل دار الفتى العربي التي أنشئت في عام 1974 و استهدفت الأطفال من عمر 3 – 16 سنة قدمت كتبا توثيقية للحفاظ على التراث الفلسطيني، إلا أنها مع الأسف لم يُكتب لها الاستمرار. في الوقت الحالي هناك عدد قليل من الكتاب المعاصرين ممن التفت إلى مأساة الشعب الفلسطيني و وثَّقوا تلك التجارب في قصص للأطفال مثل الكاتب الكبير غسان كنفاني و الكاتبة تغريد النجار و الكاتبة روضة الهدهد و الكاتب محمد جمال و غيرهم. إلا أن معظم تلك الكتابات كانت موجهة للأطفال الأكبر سنا والقليل منها متوفر و متاح للطفل العربي.

إن الأحداث الحياتية والمآسي اليومية التي تسببها الحروب والمعارك الدائرة في المنطقة العربية تركت آثارا سيئة على الأطفال بشكل عام. فمن أولئك الأطفال من يعيش وجلا ورعبا من تلك الأحداث ومنهم من يعيش في خضم معمعتها حيث تستهدفه يوميا كما تستهدف وطنه و أمته و تاريخة و تراثه. و منهم من يعيش مراقبا أو لاهيا مع ما تم ابتكاره من وسائل و ألعاب إلكترونية يندمج معها في ألعاب تظهر له القتل لعبة جميلة غير مدرك لواقع يكاد يلتهمه. أمام هذه المتناقضات التي يعيشها الطفل العربي يظل كاتب قصص الأطفال بعيدا عن آلام و معاناة واحتياجات الطفل العربي بشكل كبير.

بناء على إحصائيات الأمم المتحدة فإن عدد اللاجئين إلى واحدة من الدول الغربية في عام 2011 بلغ (56,386) فردا من دول معظمها إسلامية أو عربية. استنادا إلى ذلك فإن واقع الطفل العربي هو التشرد واللجوء والبحث عن حياة مستقرة و تعليم وصحة. رغم أن الواقع العربي بشكل خاص يعيش هذه المعاناة إلا أن واقع أدب الطفل لم يعكس معاناة ذلك الطفل اللاجئ أو المشرد بسبب حرب هنا أو مجاعة هناك أو أوضاع أمنية واقتصادية مزرية في بلد آخر.  بينما نجد في المقابل أن الأدب العالمي وأعني به أدب الأطفال باللغة الانكليزية تطرق لمعاناة الأطفال العرب والمسلمين من مختلف الدول. فلم يغفل أدب الطفل العالمي عن تسليط الضوء على أهمية الأدب العالمي الموجة للطفل والذي يستقي أحداثه من الأحداث الجارية في العالم. وهذا النوع من الأدب يسهم في تنمية الوعي والإدراك لدى الطفل بما يدور في العالم من أحداث سواء كانت حروبا و معارك أو أحداثا اقتصادية خانقة أو تغييرات سياسية أو طبيعية أو غيرها. فالمنادون بأدب الطفل العالمي يرون أنه من الممكن عبر قصص الأطفال أن يتم عرض العالم من زوايا مختلفة حتى ينمو الطفل و يكبر وهو أكثر إدراكا و قدرة على فهم محيطه وبالتالي العالم الذي هو جزء منه.

هناك الكثير من النماذج العالمية لقصص الأطفال التي أبرزت معاناة الطفل العربي. فعلى سبيل المثال: في قصة بعنوان  (A long Walk to Water)تطرقت كاتبة القصة إلى قصة طفلين سودانيين كلاهما في الحادية عشر من العمر و لكن في فترتين زمنيتين مختلفتين. القصة الأولى تناولت أحداث فتاة عاشت في عام 2008 و الثانية تناولت قصة فتى عاش في عام 1985. لكل من هذين الطفلين معاناة من جراء الحروب والتحولات السياسية و الطبيعية.  و من أجل أمور حياتية أساسية يقطع كل منهما مسافات طويلة مشيا على الأقدام أحدهما من أجل جلب الماء والآخر فرارا من الحرب والبحث عن أسرته. مثال آخر قصة بعنوان: "Sami and the Time of the Troubles". في هذه القصة المصورة  للأطفال يعرض الكاتب معاناة الطفل سامي الذي عاش مع أسرته في سرداب بيت عمه في بيروت عاصمة لبنان أثناء الحرب الأهلية في الثمانينيات من القرن الماضي. عاش الطفل سامي بعيدا عن مرابع الطفولة وساحات الدراسة خوفا من قصف عشوائي يطاله كما طال الكثير من الأطفال.  لكن أمام كل هذه الأحداث فإن ما تم تقديمه للطفل الغربي أكثر مما قُدم للطفل العربي. فيا تُرى ما هي الأسباب التي حالت دون أن يقدم الكاتب العربي نصوصا عن المعاناة التي يعيشها الأطفال العرب؟

هذا السؤال و العديد من الأسئلة الأخرى بحاجة إلى دراسات جادة بموازاة ما ينشر من قصص في مجال أدب الأطفال. ولعل تلك الدراسات أن تساعد الكاتب على فهم مواقع القصور أو الفجوات التي لابد من ردمها من أجل أدب عربي وعالمي للطفل العربي!