الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

حوار مع مجلة مواطن

يواجه التعليم في المنطقة العربية عموما، وفي السلطنة خصوصا، عددا من الإشكاليات والتحديات التي تقف في وجه بناء وتطوير عدد من النظم الإدارية والحضارية في معظم الدول العربيةوتبدأ هذه الإشكاليات من الاستراتيجيات المنفذة في هذا القطاع المهم وصولا لاستغلال الموارد والطاقات البشرية وانتهاء باستثمار العوائد المتحققة من العملية التعليميةفي هذا الحوار مع الباحثة د. فاطمة اللواتية – باحثة وكاتبة عمانية في قضايا التعليم– نقف لنرصد جانبا من هذه التحديات وعلاقاتها بتطور منظومة التعليم في السلطنة.





يواجه التعليم في المنطقة العربية عموما، وفي السلطنة خصوصا، عددا من الإشكاليات والتحديات التي تقف في وجه بناء وتطوير عدد من النظم الإدارية والحضارية في معظم الدول العربية. وتبدأ هذه الإشكاليات من الاستراتيجيات المنفذة في هذا القطاع المهم وصولا لاستغلال الموارد والطاقات البشرية وانتهاء باستثمار العوائد المتحققة من العملية التعليمية. في هذا الحوار مع الباحثة د. فاطمة اللواتية باحثة وكاتبة عمانية في قضايا التعليمنقف لنرصد جانبا من هذه التحديات وعلاقاتها بتطور منظومة التعليم في السلطنة.

  • من متابعتي لمسيرة التعليم، فنحن نسير في خط غير متصاعد بل إنه يسير للأسفل
  • لا يمكن لأي مؤسسة تعليمية أن تقوم بتقييم ذاتها، الأمر بحاجة لجهات مستقلة
  • الطالب هو محور العملية التعليمية ونحن نواجه قصورا في وضوح الرؤية التعليمية
  • محدودية فرص التعليم تقف عائقا أمام تطلعات الإنسان في بلادنا
  • نحتاج لقرار سياسي يدعم قطاعات التعليم ويوفر فرصا أفضل لمواصلة التعلم
  • معظم الأخطار التي نواجهها في العالم العربي ناجمة من التقوقع الفكري الذي هو نتاج تعليم متقوقع
  • نحن بحاجة لمعالم فكرية سليمة لعملية العيش المشترك والتعرف على الآخر من أجل أن نحمي أنفسنا من التطرف

1- شهد التعليم في السلطنة تطورات متلاحقة خلال 45 عاما من عمر النهضة .. وشملت التطورات كافة منظومات التعليم .. هل الوتيرة والمستوى الذي وصل إليه التعليم بعد ما مر به من مراحل يرضيكم كباحثين ومتابعين لهذا الشأن أم أن الواقع لا يلبي المأمول؟
بدأ التعليم في السلطنة قويا و موجها نحو تغيير اجتماعي ثقافي في المجتمع العماني. و في فترة بسيطة افتتحت المدارس في مختلف بقاع السلطنة وقابل هذا الاندفاع نحو تطوير العملية التعليمية رغبة من العمانيين بمختلف مستوياتهم في تحصيل العلم. لهذا ففي تلك الفترة كان يتسابق كبار السن الى مدارس محو الأمية. في الوقت ذاته فإنه تم العمل بروية من أجل صياغة مناهج دراسية قوية و قادرة على مسايرة ذلك الواقع من حيث احتياج الوطن إلى مواطنين متعلمين يسيرون بالبلد قدما نحو المستقبل الأفضل. إلا أن تلك البداية القوية كانت بحاجة إلى استمرارية وأفق واسع لمواصلة المسير. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كانت تلك البداية بسبب الواقع التعليمي في دول الجوار والذي كان على الوتيرة نفسها من القوة أو أقوى لكونهم تقدموا علينا، أي أنها كانت كردة فعل لذلك الوضع؟ أم أنه كان ينطلق من توجهات وسياسيات تعليمية تهدف الى تلبية احتياجات الوطن بالفعل؟ ذلك ما نحتاج إلى اكتشافه. معرفتي بالوضع الحالي للتعليم يُظهر أننا سرنا في خط غير متصاعد أو حتى غير متوازٍ بل في خط يسير إلى الأسفل. ولا أظن أن أي محب لوطنه يرضى بذلك بغض النظر عن تطلعاته.
2- أثناء المتابعة المستمرة لمضامين الخطاب الحكومي الذي يقف على بعض إشكاليات التعليم في السلطنة .. برأيك هل استطعنا الوقوف على أهم إشكاليات التعليم .. وهل ثمة فجوة بين الدراسات المحللة للتعليم والمتعمقة فيه وبين الواقع الفعلي؟
الخطاب الحكومي الرسمي لديه منظار مختلف في نظرته للأمور. وعبر هذا المنظار لا يستطيع الوقوف على أي إشكاليات مهمة وعميقة للعملية التعليمية. ويقتصر هذا الخطاب على الدعوة إلى تطوير التعليم لكن مع الأسف تُجرى بطريقة الترقيع. وبسبب أن هذا الترقيع غير المنطلق من الإشكاليات الحقيقية في العملية التعليمية فإن هذا الترقيع يحتاج إلى ترقيع آخر. وهكذا ندور في دوامة أو كما يقول المثل نسمع جعجعة ولا نرى طحينا. ثم ومع الأسف الشديد عند المطالبة بعمل تقييم للتعليم في عمان فإن عملية التقييم تتم عبر المؤسسة نفسها التي تدير العلمية التعليمية. فكيف يمكن لهم -عقليا ومنطقيا وعلميا- أن يقيموا ذواتهم؟ وهل هناك من رأى أو سمع بنتائج تقييم العملية التقييمية؟ فكيف لنا بمعرفة الإشكاليات أو حلها إذا كنا نفتقد إلى تقييم محايد وعادل. وكل مانراه أو نلمسه من الواقع الفعلي للطلبة والمدارس والمستويات التعليمية يظهر بعد التخرج وأحيانا بفعل التقييمات العالمية الخارجية. وسوى ذلك فإن الخطاب الحكومي لا يُسمعنا إلا كل جميل وطيب!
3- التعليم التراكمي القائم على الانتقال من المحتوى المخصص للمراحل المبكرة وصولا للتعليم الأكاديمي وحتى مرحلة ما بعد الدراسة الجامعية هي إحدى الإشكاليات التي تعاني منها السلطنة .. برأيك متى نكون قادرين على سد تلك الفجوة الحاصلة في هذا الجانب؟ وكيف تكون البداية؟
أنا لا أظن أن الإشكالية الأساسية في التعليم تنحصر في هذه الجزئية. في رأيي أن الإشكالية الأساسية تنحصر في عدم وضوح الرؤية لدى المعنيين وبالتالي التخبط في القرارات. إن عدم وجود رؤية واضحة عند المعنيين هي من أهم الإشكاليات التي تواجه العملية التعليمية. فالعملية التعليمية ليست مناهج تربوية أو مدارس ببناء متطور أو معلم صاحب مؤهلات أو مختبرات أو إدارة كفؤة سواء على مستوى المدرسة أو الوزارة. إن العملية التعليمية هي جميع تلك الأمور مجتمعة عندما تتكامل وتتفاعل وتتبلور بشكل صحي هدفها الأساسي هو الطالب. وهذا التبلور يحدث حينما تكون هناك رؤية سليمة وواضحة وعمل جاد. الطالب هو محور العملية التعليمية وحينما يدرك الجميع من أعلى القمة إلى أسفل القاعدة إنه موجود في هذه المؤسسة التعليمية لخدمة الطالب لكون الطالب هو مستقبل الوطن والسبيل إلى تطوره، حينها سنجد تكاملا بين جميع المراحل التعليمية وسيتم ردم الفجوة والسير نحو تحقيق الأهداف المنشودة.
4- إحدى الإشكاليات الحديثة التي يعاني منها التعليم هو مدى ربطه باحتياجات سوق العمل، ذلك يعني أن مخرجات التعليم قد لا تناسب بالضرورة ما يحتاجه سوق العمل من وظائف وقد شهدت السنوات الماضية تعيين عدد من الباحثين عن عمل في وظائف بعيدة عن تخصصهم التعليمي أو الأكاديمي .. برأيك ما مدى حاجتنا لفصل التعليم بين المهني والأكاديمي أو ما يجمعهما سويا وهل تتفقين مع هذه الرؤية في هيكلة التعليم؟
أنا لا أتفق مع مقولة ربط التعليم باحتياجات العمل. أنا مع إعطاء الطالب المجال لأن يخوض في المجال العلمي الذي يتناسب مع ميوله وقدراته وإمكاناته. لكن ذلك لن يتحقق بمحدودية فرص التعليم. من أجل إعطاء الطالب الفرصة في تعليم متناسب مع قدراته فينبغي توفير مجالات مختلفة مثل التعليم المهني والأكاديمي وغيرهما. و بذلك فإن الهدف المتوخاة والمتمثل في توفير كفاءات لرفد سوق العمل باحتياجاتها يتحقق تلقائيا وبشكل أفضل.

5- يعتقد عدد من المتابعين أن تعدد المؤسسات القائمة على قطاع التعليم في السلطنة (وزارة التربية والتعليم الكلية التقنية تحت إدارة وزارة القوى العاملة جامعة السلطان قابوس منفصلة مجلس التعليم وزارة التعليم العالي هيئة الاعتماد الأكاديميوزارة الصحة وإشرافها على المؤسسات التعليمية الطبية) لا يوفر آلية صحيحة لإدارة التعليم مما يعني تداخلا في الصلاحيات وتشتتا في مستوى إدارة القطاع ماليا وتعطيلا لجهود تشاركية وتعاونية .. ما مدى جدوى المؤسسات القائمة على التعليم حاليا وهل الاتجاه نحو آليات الدمج يعتبر حلا لتدارك التداخلات الحاصلة في هذا المجال؟
هناك الكثير من الآراء و الاقتراحات بالنسبة لتعدد المؤسسات القائمة على قطاع التعليم في السلطنة. وحتى يمكننا أن نحكم بتوفر آلية صحيحة أو عدم توفرها وهل انفصالها سوف يهيئ تعليما أفضل وغيرها من المقولات فإن ذلك خاضع لوجود دراسة تقييمية لعمل تلك المؤسسات هذا من ناحية. من ناحية ثانية عند وضع رؤية واضحة عن كل مؤسسة وعملها يمكن وضع ألية إدارية معينة سواء بدمج تلك المؤسسات في بوتقة واحدة أو دمجها جزئيا أو تركها كما هي مع إجراء تعديلات تتناسب مع الرؤية وأهداف المؤسسة. لكن ما نراه حاليا من تدهور التعليم بشكل عام في السلطنة يبين أن هناك خللا وأن هذه المؤسسات التعليمية لم تستطع أن تقدم أي حلول ناجعة أو ترمم الفجوات التي يعانية التعليم ماقبل الجامعي أو ترفع من مستوى التعليم الجامعي.
6- يصنف دعم السلطنة للقطاع البحثي والتعليمي بأنه الأدنى بين معظم الدول بالمنطقة مقابل الإنفاق الضخم على قطاعات أخرى بينها بعض المؤسسات السيادية وقطاع التسلح .. هل تعتقدين أن توابع واستمرار الأزمات المالية المتكررة التي تعصف بالمنطقة عموما والسلطنة خصوصا سيترك آثارا سيئة على قطاعات لم تكن لتحظى بنصيب وافر من الدعم في حالة الاستقرار كقطاع التعليم وما إمكانية تجاوز هذا الأمر؟
من المؤكد أن القطاع التعليمي بحاجة إلى دعم كبير. والدول التي تنظر إلى التعليم كاستثمار تخصص ميزانيات ضخمة لها ويتم الاستثمار في الإنسان فيها بشكل فعال. إلا أننا لا بد أن ندرك أمرا أساسيا وهو أن الموازنات المالية بحد ذاتها ليست العامل الوحيد لتطوير التعليم، فالإنسان الذي يدير تلك العملية التعليمية هو حجر الأساس في ذلك. هناك دول تصرف على التعليم ببذخ لكن مخرجاتها ضعيفة جدا وهناك دول أخرى تصرف بشكل محدود لكن مخرجاتها من المتعلمين والمثقفين قوية جدا، وهذا ما نلاحظه في بعض الدول الآسيوية. مشكلتنا لا تنحصر في الميزانيات التي وضعت في التعليم والتي أظن أنها كانت تكفي لإنتاج تعليم متميز وإنما مشكلتنا في إدارة العملية التعليمية والتي مع الأسف كانت تحتاج إلى الكثير من التقويم. أحيانا أتساءل وسؤالي هنا ليس خاصا بالسلطنة وإنما سؤال يشمل وينطبق على معظم الدول العربية والإسلامية: هل المطلوب منا أن نكون أنصاف متعلمين؟
7- قدمت بحثا للدكتوراة حول مجال دعم الموهوبين .. هل وجدت أن هذا المجال سابق لأوانه مع تدني فرص دعم كافة الطلاب أصلا وتراجع مستوى دعم الاحتياجات الأساسية للمؤسسات التعليمية؟
مشكلتنا تتركز في اننا نقرن كل مشروع بمبالغ مالية كبيرة في حين أن بعض المشاريع يمكننا تنفيذها بالقليل من المال، كما أن المشاريع تتفاوت في أهميتها وأولويتها. هناك الكثير من المشاريع لم تكن من الأولويات إلا أنها طرحت وتم صرف الكثير من الأموال عليها وهناك مشاريع مهمة لم يتم إعطاؤها حقها، هذا من ناحية. من ناحية ثانية الثقة بالعماني في القطاعات الحكومية بشكل عام ضعيفة وبسبب ضعف هذه الثقة بالرغم من تمكنه من نيل شهادات من جامعات غربية قديرة فإنه يتم الاستعانة بالغربيين الذين درسوا معنا أو بإخوتنا العرب الذين تخرجوا من جامعات قد تكون أقل مستوى وتصرف عليهم أموال طائلة.  وأحيانا لا يكمل الوافد عمله أو يقدمه بشكل ناقص لافتقاده إلى الفهم الحقيقي للمجتمع والناس والقيم الوطنية. تعليم الموهوبين مطلب وطني والموهوب إذا تم الاهتمام به فهو الوقود لإدراة عجلة الوطن خصوصا وقت الشدائد. لقد فطن القدماء بضرورة الاهتمام بالطلبة الموهوبين ولهذا نرى أنه في جميع الحضارات القديمة خصص للموهوبين تعليم مميز بحيث يتناسب مع إمكاناتهم و قدراتهم العقلية. حينما نتطرق إلى أهمية تعليم الموهوبين يثير البعض إشكاليات مثل أن تعليم الموهوبين يولد التمايز وغيرها من الأمور في حين أننا لا نشير إلى عملية التمايز بين الناس إلا في أمر ميز الله به عباده بأن جعل الناس مختلفين عن بعضهم. التمايز على أساس  القدرات العقلية ليس مذموما، المذموم هو التمايز في الحقوق والواجبات التي ينبغي مساواة الجميع حيالها. إلا أننا نجد في حياتنا العامة هناك تمييزا ماديا بين الناس فأينما وجهت وجهك رأيت حروف:(VIP)أمامك. الحديث يطول في هذا المضمار لكن ما أود تأكيده أن تعليم الموهوبين ليس بحاجة إلى رأس مال كبير بقدر ما هو بحاجة إلى قرار سياسي وحرص كبير من المسؤولين في تقديم تعليم متميز لأبنائنا الطلبة يتناسب مع إمكاناتهم وقدراتهم التي وهبها الله إياهم.
8- يعاني قطاع التعليم في السلطنة من ضعف الدعم والناتج حسب ندوة التعليم الأخيرة في كون هذا المجال مدعوما من القطاع الحكومي فحسب ولا توجد أي مشاركة لجهات القطاع الخاصة في دفع العملية التعليمية والتربوية في البلادبينما تؤدي الشركات والفروعات الرأسمالية في دول العالم دورا مهما في تقديم الدعم المالي لبحوث التعليم وإنشاء المختبرات والجامعات ودعم المبتكرين والمخترعين.. ما إشكاليات هذا الأمر وهل هو ناتج عن ضعف الإرادة الحكومية لدفع المؤسسات نحو دعم التعليم أم أن الأمر ناتج عن أخطاء تخطيطية؟
قطاع التعليم في السلطنة ينقسم إلى قطاع حكومي وقطاع خاص. وحينما نقول قطاع خاص فهو قطاع ربحي بمعنى أن التعليم تجارة يهدف صاحب المدرسة أو المؤسسة التعليمية إلى أن يحقق أرباحا من المدرسة التي أنشأها. من هنا فإن كون التعليم ربحيا وأصحاب المدرسة تجارا فإن هذا يحد من مساهمة تجار آخرين في دعم التعليم التي يتبناها أصحاب المدارس الخاصة. أما بالنسبة للحكومة فالملاحظ أن الحكومة لديها نوع من التابو من مشاركة القطاع الخاص بشكل عام في أي أنشطة حكومية، قد يكون الوضع قد تغير قليلا عما كان عليه سابقا، إلا أن ذلك ملاحظ بشكل كبير. أظن أن هناك الكثير من التجار لديهم رغبة في المساهمة في المجال التعليمي إلا أن التاجر أيضا يطالب بنوع من الاعتراف من تلك المؤسسة كما هو حاصل في الدول الغربية. حينما تقوم أي مؤسسة ببناء مبنى أو المشاركة في أي أنشطة مدرسية فإنهم يضعون اسم مؤسساتهم أو اسم الأفراد الداعمين على ذلك المشروع، إلى ذلك من الأمور غير المشجع عليها في السلطنة. لا أعرف لماذا لكننا شهدنا ضياع الكثير من الفرص لهذه الأسباب!


9- تعزز بعض السياسات الإدارية التقليدية  الخاصة بالتعليم كاستمرار الدعم لقطاعات غير حيوية أو صرف مبالغ كبيرة على الخبراءتخبطا واضحا في آلية إدارة هذا القطاع .. برأيك كيف يمكن بناء إدارة فعالة لتخطي المفاهيم التقليدية في إدارة قطاع التعليم؟
الإدارة الفعالة هي نتاج عدد من المتغيرات أولها إنسان أو مسؤول فعال حريص على العملية التعليمية، مرن وواسع الافق. المسؤول لا بد أن يتحلى بالوطنية وتعريف تلك الوطنية الإخلاص للوطن وأبنائه. والإخلاص للوطن ولأبناء الوطن يتجلى في تنمية الوطن عبر إعطاء الفرصة للمواطنين، و ذلك بالمساهمة في بناء الوطن والتعامل معهم وفق معايير العدالة و الإنسانية. أبناء الوطن وإن اختلفت أسماؤهم فهم جميعا يحملون هوية وطنية واحدة ويطلق عليهم عمانيون بغض النظر عن أولوانهم وأجناسهم و لهجاتهم وأخيرا مسمياتهم.
10- أمام التحديات الحالية التي تعصف بالمنطقة العربية بينها اتساع رقعة التطرف والتقوقع الفكري .. كيف يمكن بناء استراتيجية واضحة تبدأ من التعليم لمواجهة الأخطار الفكرية والسياسة التي تهدد السلطنة؟
معظم تلك الأخطار التي نواجهها ناجمة من التقوقع الفكري الذي هو  نتاج تعليم متقوقع ضمن أفكار معينة. العقول المتتحررة تكون بعيدة عن التطرف والعقول التي تنظر للآخر على أنه شريك في الوطن تمد يدها لتساهم معه في عملية البناء لا الهدم لكن أي تعليم يولد مثل هذه العقول المتفتحة؟
في عام 2013 حضرت ندوة في السلطنة حول “فقة العيش المشترك”. إقامة مثل هذا النوع من الندوات تساهم في غرس بذرة جميلة لإيجاد قاعدة قوية للعيش المشترك بعيدا عن التطرف والتقوقع الفكري. كتبت مقالا حول تلك الندوة و مما أوردت في المقال إحدى الكلمات التي استوقفتني لعلها صدى لبعض ما درست أثناء فترة دراسة الدكتوراه. استوقفتني كلمة رئيس جامعة المذاهب الإسلامية ورئيس مركز الدراسات الإسلامية في مجلس الشورى الإسلامي في إيران فضيلة الشيخ أحمد مبلغي في الجلسة الافتتاحية. تطرق الشيخ إلى أهمية التعايش المشترك بين مختلف فئات وطوائف المسلمين في مختلف أرجاء العالم. وقد بيَّن أن العيش المشترك يقوم على أربع خصائص ذاتية ومن دونها لا يمكن أن يتحقق العيش المشترك. وهذه الخصائص هي:
  • إنساني، بمعنى أن العيش المشترك يرتبط بالإنسان، فلا يمكن أن يكون العيش مشتركا ما لم يكن هناك أناس يتعايشون معا.
  •  إنه أمر تبادلي أي أنه يقوم على عملية التبادل بين الناس أو الأشخاص.
  •  إنه أمر تجريبي، بمعنى أن حصول العيش المشترك وتطوره وتكامله يتحقق بالتجربة بين بني البشر.
 إنه أمر معنوي فهو يحدث بين الناس من خلال أحاسيس الحب والعشق والجمال بعيدا عن عناصر الصلابة، فالعيش المشترك هو تفاعل إنسانيٌ سامٍ . ما تطرق إليه الشيخ جعلني أفكر في عماننا. في السلطنة هناك العديد من القبائل و اللهجات المحلية. وهذا ما ذكرته في مقالي تحت عنوان “من وحي ندوة فقة العيش المشترك” المنشور في جريدة عمان بتاريخ 12 مايو 2013. “لكن ومع الأسف، تجد نفسك تجهل عن أبناء وطنك الذين يشاركونك الأرض والجنسية وحب الوطن والتفاني من أجله. وهذا التقصير يرجع إلى عدد من العوامل تأتي المناهج الدراسية في مقدمتها باعتبارها العامل الأكثر تأثيرا في تأصيل العيش المشترك. فمن خلال المناهج الدراسية، وبعيدا عن أي حساسيات، لا بد أن تتم معالجة عملية التواصل والتعارف بين أبناء الوطن الواحد. فلدينا العديد من القبائل واللغات واللهجات والعادات والتقاليد، إلا أنه من المؤسف بأننا أثناء سني دراستنا لم نعرف عن ذلك، وإلى يومنا. أبناؤنا لا زالوا يجهلون هذه الحقائق وإذا عرفوها فبأسلوب سلبي. ففي زيارة قصيرة لي برفقة بعض أفراد اسرتي إلى مسندم تعرفت على الكمزاريين والشحوح لأول مرة. وكم أسعدني سماع لهجتهم والتحدث إليهم ومعرفة الكثير من التأثيرات التي أسهمت في الاختلافات اللغوية فيما بينهم. وأنا على يقين بــأن جهلي بهم لا يقل درجة عن جهلهم بي وباللهجة اللواتية. فأحيانا هاجس الخوف من التعرف على الآخر يجعلنا نسلك طريق تجاهل الآخر أو العيش معه بصمت، لكن العالم الذي حولنا المليء بالمتناقضات لا يحتمل الصمت لأنه يتم ملؤه غالبا بغير النافع وربما الضار من الانطباعات التي لا يمكننا التحكم بها. ومن هنا نجد أنفسنا قد وقعنا في عملية معاكسة من حيث النفخ في تلك البالونة التي نحاول تحاشي النفخ فيها. ولاجتناب ذلك فنحن بحاجة إلى أن نرصف طريقنا من خلال تحديد معالم سليمة لعملية العيش المشترك والتعرف على الآخر. نحن في زمننا الحالي لسنا مطالبين بالتعرف على أبناء وطننا فحسب وانما أيضا بذلك الآخر الذي يشاركنا العيش على أرض هذا الوطن بغض النظر عن جنسيته أو دينه.” وفي زيارتي الاسبوع الماضي تعرفت على اللهجة الشحرية و أتمنى أن تكون هناك رحلات و جولات بين طلاب المدارس لملء ذلك الفراغ بين أبناء الشعب الواحد.

حاورتها: سمية اليعقوبية