الاثنين، 6 يوليو 2015

الارهاب و معضلة التشخيص!

أمام الأحداث الراهنة التي عصفت بوحدة المسلمين وهتكت حرماتهم واستباحت وأهدرت دماءهم يقف المثقفون والباحثون والسياسيون العرب والمسلمون متطلعين إلى حلول لإنهاء هذه الحالة المؤلمة التي يعيشونها في كل أرجاء المعمورة.


http://alwatan.com/details/67839

أمام الأحداث الراهنة التي عصفت بوحدة المسلمين وهتكت حرماتهم واستباحت وأهدرت دماءهم يقف المثقفون والباحثون والسياسيون العرب والمسلمون متطلعين إلى حلول لإنهاء هذه الحالة المؤلمة التي يعيشونها في كل أرجاء المعمورة. لقد سجل التاريخ أحداثا دامية مر بها المسلمون عبر تاريخهم الطويل بعد وفاة رسول الله محمد (ص). وقد أنتجت تلك الأحداث التاريخية التي سُطرت في الكتب وتوارثتها الأجيال من غير تنقيح أو دراسة حالة من التفرق والتشتت بين المسلمين قسمتهم إلى فرق ومذاهب جعلتهم هدفا للأعداء. لكن هذه الحالة الإسلامية المتعددة المذاهب والفرق لا تنحصر بالتاريخ الإسلامي وإنما هي حالة بشرية مر بها المسيحيون واليهود وغيرهم من الفرق والملل والمجموعات البشرية. فالطبيعة البشرية تميل بفطرتها إلى العنف، لأن الجانب الحيواني منها يعصف بالأسس العقلية والإيمانية ليطغى على الجانب الإنساني.


قد يكون التطور العلمي للبشر بين مختلف الأمم عامل تخفيف لقساوة الإنسان التي سيطرت على الكثير من الأمم. فنقرأ عن الحروب التي كانت تدور في الغرب باسم المسيحية مع أنها دين التسامح والمحبة. لكن الأمر انتهى إلى تعايش اصحاب تلك الحضارة والديانة والوطن في وئام ضمن منظومة اجتماعية حياتية تحترم حرية الفرد وترعى حقوقه. من هنا نجد أن معظم الكتاب يشيرون إلى التعليم والمناهج الدراسية كعوامل حصرية هيأت لتلك البيئة الإرهابية التي تستحل قتل الإنسان لأخيه الإنسان لمجرد اختلافه عنه في العقيدة أو المذهب. ويؤكد أولئك الكتاب بأن المناهج التعليمية والخطب المليئة بالشحناء والبغضاء من على منابر المساجد هي وحدها التي غرست بذور الكراهية والبغضاء والتكفير بين المسلمين، وهي السبب الوحيد في تلك الفتن الطائفية التي تعصف بالأمة نتيجة التأجيج لها وغرسها في عقول وضمائر أطفالنا منذ الصغر فتجعلهم يكبرون وتكبر معهم تلك المشاعر الكريهة. فالطفل (كما في المأثور) يولد بالفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه.


لكننا حينما نتتبع حالات وأوضاع أولئك الذين قاموا بالأعمال الإرهابية أو الذين يقفون وراءها نجد أن الكثيرين ممن يقدمون على هذه العمليات الإرهابية هم من حملة الشهادات العالية فبينهم المهندس والدكتور ممن عاشوا وتعلموا في دول ذات ثقافات غربية وتربوا في بيئات خالية من كتب التكفيريين. كما أن بينهم شبابا من دولٍ عربية كتونس ومصر وغيرهما يتم تصنيفها كدول علمانية ولا يحتل فيها الفكر التكفيري مساحة واسعة. قد يكون صحيحا أن ذلك الفكر التكفيري قد أسس للإرهاب إلا أنه من الصعب حصر الإرهاب في منهج دراسي أو كتاب محدد مضت على وجودها عقود من الزمن. فلا شك أن هذه المناهج الدراسية والكتب التكفيرية تؤسس للكراهية إلا أنها لا يمكن أن تجعل الإنسان يضحي بنفسه من أجل قتل الآخرين. إن عملية الحصر تلك تجعلنا نغفل عن المنظومة المتكاملة التي تحيك للإرهاب وتخطط إلى أبعد من عمليات القتل والفتن والتفرقة الطائفية. إنها تستهدف المجتمع العربي والمجتمع الإسلامي بكل طاقاتهما وتاريخهما وتراثهما ورصيدهما العالمي الإنساني و الأممي.


الأحداث الجارية في شرقنا العربي المسلم تكاد تسير بخط متوازٍ. فالحروب المتعددة ضد الدول العربية والتي يصاحبها هدم لتراثها وعبث بتاريخها تتكامل مع المنظومة التي تؤجج للفتن بين الطوائف والأديان. هذه الحملات المنظمة والمخططة بدقة تفقد الإنسان المسلم والعربي رصيده الفكري والثقافي والاجتماعي. فالشرق يرزح تحت نير الحروب والظلم والجهل والديكتاتورية. وزاد الوضع رداءة الفتن الطائفية التي افقدت الإنسان الإحساس بالسلام والأمن وبكيان اجتماعي ودي مع أخوة يعيشون معه تحت سماء وطن واحد. وهذه الحالة من اللاثقة ظهرت بشكل جلي في العراق الذي كان الجميع فيه سابقا يعيشون كإخوة لا حاجز ديني أو طائفي يفصل بينهم، و إذا به وفجأة وفي وقت قياسي أُقيمت الحواجز الإسمنتية وحدث تحولات ديمغرافي أدى إلى تمزق ذلك النسيح الأخوي المتكامل. وهذه الصورة لا يستبعد حدوثها في دول أخرى. فبالرغم من أننا عُرفنا على الصعيد العالمي بالتسامح والطيبة وعرفوا عن تاريخنا الإسلامي الزاخر بالتعايش السلمي فقد تم استهداف تلك الذاكرة الطيبة ليتحول الشباب المسلم باسم الدين إلى قتلة ومجرمين يقفون وراء جل التفجيرات الإرهابية التي تستهدف الأبرياء. وتكاملا مع هذه المخططات فقد تم استهداف نبينا وكتابنا من قبل ضمن تلك السلسلة المتصلة التي تتكامل خيوطها من أجل هدم كيان الإنسان المسلم والمجتمع المسلم. واذا امعنا النظر إلى انشغالاتنا الحالية فلم يعد مساءلة حكوماتنا عن التعليم أو الصحة من الأولويات بل غدا الأمن والاستقرار والمطالبة بالتعايش بين فئات المجتمع هي الأمور الأكثر أولوية وحساسية. كما أن انشغالنا بأمننا وأماننا من جهة أخرى يجعل جل ما نكتب ونفكر فيه ينحصر في هذه الجوانب بعيدا عن البحث العلمي أو التطور التكنلوجي أو التقدم الحضاري.


لقد تشرد المسلم والعربي وضاعت قيم الأخوة والتكافل وفقدت الثقة بين المجتمعات وتشتت الجهود وهدرت الأموال وغيرها للقضاء على ما تبقى في عالمنا العربي المسلم الجميل مهبط الوحي وأرض الأنبياء. وأمام هذا الاستهداف المخطط المنظم ما زلنا بعيدين عن وضع المشكلة تحت المجهر الصحيح لتشخيص الداء حتى يكون الدواء ناجعا وصحيحا… ولهذا وجب إعادة النظر!