الأحد، 26 مايو 2013

حينما تكون تحت علامة الاستفهام!

للسؤال صيغ متنوعة ومختلفة، كل حسب موقعه وحسب ما يراد به من طرحه، وجميع الصيغ الاستفهامية تنتهي بعلامة واحدة متعارف عليها عالميا، وهي علامة الاستفهام’؟’...

http://www.alquds.co.uk/?p=47809

للسؤال صيغ متنوعة ومختلفة، كل حسب موقعه وحسب ما يراد به من طرحه، وجميع الصيغ الاستفهامية تنتهي بعلامة واحدة متعارف عليها عالميا، وهي علامة الاستفهام’؟’. فبغض النظر إن تابعت أو لم تتابع الجملة من أولها فإن وجود علامة السؤال في آخرها تخبرك أن هناك سؤالا ما عليك إلا أن تعرف إجابته أو أن تبحث له عن إجابة. 

وكل سؤال بطبيعته يثير الفضول لمعرفة جواب له، سواء تمت اثارته من قبل كاتب أو معلم أو الشخص الذي أمامك. لكن الفضول مسألة نسبية تتعلق بمدى رغبة الواحد منا في المعرفة أو اهتمامه بالموضوع أو تعلقه به.. ولكن هذه الرغبه قد يتم أحيانا خنقها أو كبتها لعوامل خارجة عن ارادة المرء أو قوته أو نفوذه. فالمتفق عليه في مجال تعليم الموهوبين أن الطفل الموهوب كثير السؤال، وهذه الرغبة التي تحثه على السؤال لا تبالي بما تصطدم به من لاءات الأهل أو تعنيفهم أو اسكاتهم له. فبذرة السؤال التي بداخله تبقى حية متأججة، اما انطلاقا من ذات المعرفة أو لأسباب أخرى تزخر بها النفس البشرية. هذه هي الحالة حينما تدور علامات السؤال من حولك وأنت تكون من ضمن الباحثين عن إجابات، من أجل أن تشبع نهمك العلمي.. لكن ماذا لو أنك بنفسك كنت تحت علامة الاستفهام أو السؤال؟ 

حينما تكون بنفسك تحت علامة الاستفهام فهذا الموضوع يكون خارج فضولك ويقع ضمن دائرة فضول الآخرين التواقين الى معرفة من تكون؟ وكيف ومتى ومع من؟ و.. وغيرها من الأسئلة التي لا عد لها ولا حصر، إلا أن تحديد بدايتها ونهايتها تكون منوطة بمن وضعك داخل تلك الدائرة. فمثلا حينما كنا تلاميذ صغارا كانت شخصيات معلماتنا أو المعلمين تستثيرنا.. وحينما كبرنا بدأ فضولنا يدور حول معرفة كل ما يتعلق بالممثلين والكتاب والعلماء والشعراء وغيرهم من المشاهير، مثلما نلاحظ رغبة الكثير من الأولاد في معرفة حياة نجوم كرة القدم وغيرهم. فوضعك كممثل أو كاتب أو لاعب كرة أو مغن أو حتى ولي عهد بريطانيا يحدد مدى رغبة من تستهويه أن يعرف عنك! ولكن .. من الممكن أن تكون موضع اهتمام أشخاص آخرين مثل ‘رجال الأمن’ مثلا.. فما هي الأمور التي تستثيرهم وكيف ستعرف أنك موضع اهتمامهم؟ 

حينما تكون موضع اهتمام تلك الفئة فإن ذلك قد يكون من أجل تنصيبك أو اعطائك صلاحيات كأن تصبح وزيرا أو مسؤولا كبيرا في الدولة، أوعلى العكس، فقد تكون لديهم من الفئة الثانية التي ينبغي أن يحسب لك حساب ما. وهذه المسألة الأخيرة المتعلقة بتصنيفك يعتمد على نوعية النظام الأمني الذي أنت تحت علامة استفهامه. فإن كان النظام الأمني الذي أنت تحت علامات استفهامه من تلك الأنظمة الحاذقة، فهم أكثر ذكاء من أن يضيعوا أوقاتهم مع من يكتب مقالا أو يلقي خطابا لا ينفع أو يضر. بل هناك من الأنظمة الأمنية من لديها مقدرة على كسب أولئك الأفراد وتحويلهم من وجهة الى أخرى بأسلوب لا يخفى على الحكماء من أبناء البشر الذين يحملون رسالة وطنية صادقة فترى في كل فرد من أفراد الوطن مكسبا لغد أفضل. لكن.. أن تتوقع هذه الدرجة من الحكمة والشفافية والوطنية في الأنظمة الأمنية التابعة للعالم العربي، فهذا ما لا نستطيع أن نجد له أدلة أو نرى له صورا ومصداقية في حياتنا.. لماذا؟

وقبل أن نرد على الـ"لماذا" هذه لا بد لنا أن نقف أمام معاني ومدلولات كلمة "الأمن". وقد أسعفني Google ببعض المعلومات في هذا الشأن. لقد وردت كلمة الأمن ومشتقاتها افي السياق القرآني على عشرين صيغة مختلفة فعلى سبيل المثال: أمن؛ أمنتكم؛ أمنتم؛ يأمن؛ يأمنوا؛ آمنة؛ آمنون؛ أمنة؛ مأمنة؛ مأمون؛ آمنهم وغيرها وذلك في أربع عشرة سورة ا. اوقد وردت الكلمة بمعنى الأمن الذي يعني السلامة والاطمئنان النفسي، وانتفاء الخوف على حياة الإنسان، أو على ما تقوم به حياته من مصالح وأهداف وأسباب ووسائل، أي ما يشمل أمن الإنسان الفرد، وأمن المجتمعب. وعند مراجعة المنجد فإن كلمة الأمن تعني: اوثق به وركن اليه فهو آمن". ولكن .. لمعرفة جواب علامة الاستفهام التي طرحت ‘لماذا’ فأجب عن الأسئلة التالية: ماذا يتبادر الى ذهنك عند سماعك لكلمة ‘الأمن’؟ هل تبادرت أيٌ من المفاهيم الواردة في القرآن الكريم؟ هل شعرت بما تحمله الكلمة من معانٍ أو بما تتضمنه من مشاعر السلامة والاطمئنان النفسي أو غيرهما؟ أم أن هذه الكلمة ولدت لديك نوعا من الاستهجان؟ 

كنت في جلسة مع مجموعة من النسوة، ومن باب التعارف سألتهن عن وظائفهن واختصاصاتهن؟ تحدثت الأولى التي كانت على يميني عن نفسها وعملها ومساهماتها بكل فخر. وحين جاء دور الثانية ظلت صامتة ولم تقل شيئا. انتظرناها أن تتكلم إلا أنها ظلت ساكتة، فلم يبادر أحد من الحاضرين بإعادة السؤال خوفا من إحراجها.. فلعلها تعمل في وظيفة متدنية فتشعر بالحرج على تبيانها أمام الآخرين. لكن ما كدت أن ابدأ بالتعريف على نفسي لتغيير اتجاه الجلسة حتى قاطعتني صاحبتها قائلة: ‘إنها متقاعدة.. وقد كانت تعمل في الأمن.. لكن من يعمل في الأمن لا يرغب في أن يخبر عن مكان عمله حتى بعد تقاعده’. لم تعلق واحدة على كلامها وتم تغيير مجرى الحديث خوفا من إحراج اخريات قد يكن ممن يعملن في ‘جهاز (الأمن)’.
كلمة الأمن تحمل الكثير من المعاني الجميلة والثرية والسامية بمضامينها الإنسانية إلا أن طريقة استخدام الأنظمة العربية للكلمة جردها (مع الأسف) من تلك المعاني العميقة المفعمة بالطيبة والصفاء، التي تبث روح السكينة والثقة والإخاء بين افراد المجتمع، وهبط بها الى درك الكراهية والعداء وتقصي أسرار الآخرين وايذائهم لمصالح معظمها لا تمت لمصلحة الوطن وأبنائه بصلة. وأصبحت تحمل ذلك المعنى الثانوي الذي يسبب احراجا واحساسا بالحقارة حتى لدى العاملين بها ضمن أطره. لكن السؤال هو: حينما تكون تحت علامة الاستفهام من قبل ‘الأمن’ فكيف لك أن تعرف ذلك؟ 

يُقال: ‘اسأل مجربا ولا تسأل طبيبا’، ينقل أحدهم تجربته القاسية، التي استمرت سنين عديدة ليتأكد لديه أخيرا أن كل ما يحدث له وينغص عليه حياته ويسلب عنها الأمن والطمأنينة يعود إلى المفهوم العربي لـ’الأمن’. فهو يرى أنك حينما تكون شخصا عاديا وفجأة تجد أن هناك من هو مشغول بك.. فأولا: عليك أن تعرف أنه حينما لا يجد رجل الأمن ما يشغله (ليس بسبب انعدام الأحداث وانما بسبب أن شغله لا يكون مع أولئك اللصوص ذوي المناصب أو اصحاب المراكز.. ولن يكون مع أولئك الذين يعيشون مستندين الى جدار علان أو فلان من أصحاب النفوذ والمراكز.. طبعا هؤلاء أبعد أن يسبب لهم رجال الأمن أية ازعاجات، بل هم الذين يحمونهم!) فلابد أن يجد له شغلا.. فأنت اليوم هو شغله الشاغل! ثانيا: انه لابد أن يجدك ويجد معك قصة جميلة يستطيع أن يثير مسؤوليه بها.. لأنه ببساطة يكسب بسبب أذيته لك مالا أو منصبا أو على أقل تقدير يقوم بدوره في بذر بذور عدم الاطمئنان والأمان في بعض النفوس. فيعاقب ذاك ويحرم تلك وهناك الكثير من الأفعال التي تجود بها اللغة العربية ويجد عقل رجل الأمن مرتعا له فيها. ثالثا: إن مشكلة الأمن أو رجل الأمن تتمثل في أنه ضيق سعة ذاك المصطلح الذي يحمله وعملية التضييق افقدته كانسان ذلك العمق والثراء الذي كان يتمتع به في وجدانه وعقله وروحه وحولته الى إنسان جامد خال من العواطف والمشاعر معبئ بالكراهية والحقد والنظرة السوداء التي قضت على كل جمال في نفسه. 

وبهذا فإن كنت في دولة عربية مستقرة سياسيا وأردت أن تعرف إن كنت تحت علامة الاستفهام فأجب عن الأسئلة التالية: هل تعطى لك حقوقك كاملة؟ هل يتم التعامل معك بطريقة تختلف كليا عن الآخرين الذين من هم في مستواك العلمي أو قدراتك؟ هل يتم حرمانك من المناصب وإقصاؤك عن المسؤوليات التي قد تسهم في تطورك ورقيك؟ هل يتم تجميدك وعدم الاستفادة من كفاءاتك وإمكانياتك رغم حاجة الوطن الماسة إليها وذلك من أجل تدميرك؟ هل يتم الاستعانة بمسؤوليك المباشرين في مكان عملك أيا كان مستواك الوظيفي فيتم حصرك في مكان ضيق كأنك في منفى ليسهل عليهم أذيتك والتنغيص عليك؟ هل يحرم عليك فتح مكتبة تجارية أو مؤسسة خيرية أو اجتماعية أو يتم حرمانك من حضور مؤتمر لتمثل وطنك فيتم استبدالك بغيرك، حتى إن لم يكن له أية علاقة في ذلك الحقل؟ إذا كنت تحمل مؤهلا علميا عاليا في تخصص تحتاجه الجامعة، فهل يتم منعك عن التدريس فيها رغم نقص الكوادر فيها ويتم الاستعانة بالوافد؟ هل حينما ترغب في الانتقال من مكان عملك الى مؤسسة حكومية أخرى، وبعد أن تحصل على موافقة المسؤول، وإذا به بعد فترة قصيرة يبدأ في التهرب منك بعد أن كنت أنت الكفاءة المرغوب فيها؟ هل تمنع من تقديم أية برامج ثقافية في التلفاز؟ اذن، اعرف أنك تحت علامة استفهام غير صغيرة.. وجهلك عن السبب (لماذا؟) ليس من مسؤولية ‘جهاز الأمن’، فمسؤوليتهم الوحيدة التي يفقهونها يتلخص في كيفية التنكيد عليك. فمصلحة الوطن والمواطن وعملية التوعية أو التوضيح، هي ليست من الأمور التي يفطنها أولئك الشراذمة! وعليك أن تعلم بأن ذاك الوزير أو تلك الوزيرة أو الوكيل أو الوكيلة ما هم إلا دمى تتلقى الأوامر من غير تفعيل لعقلوهم التي حباهم الله بها.. ناهيك عن أولئك الصغار!
فهل أنت تحت علامة الاستفهام من هذا النوع؟..فإذا كان الأمر كذلك فلتكن خطواتك حكيمة ولتكن أنت أحرص على وطنك من ذاك مدعي ‘الأمن’ وساهم بزرع بذور الخير والاطمئنان والأمان. فهناك الكثير من الحقول التي تحتاج الى من يرويها في أوطاننا الغالية!