السبت، 25 مايو 2013

على هامش ندوة هدر المال العام

هدر المال العام" عنوان ندوة أقيمت في النادي الثقافي بتاريخ 20 مايو 2013. شارك في الندوة عدد من الخبراء والمختصين في المجال الاقتصادي والمالي. فالمال هو واحد من نقاط الضعف لدى الإنسان ...


 http://main.omandaily.om/node/136909
هدر المال العام" عنوان ندوة أقيمت في النادي الثقافي بتاريخ 20 مايو 2013. شارك في الندوة عدد من الخبراء والمختصين في المجال الاقتصادي والمالي. فالمال هو واحد من نقاط الضعف لدى الإنسان خصوصا ذلك الإنسان الفاقد للقيم السامية التي تنمو وتتجذر بشكل إيجابي بالتربية والتعليم أو بتأثير البيئة التي يعيشها ويؤثر ويتأثر بها. وهو (أي المال) من المسببات الأساسية للكثير من عوامل الانحراف التي تطغى على المجتمعات الإنسانية وتتسبب في خرابها ودمارها. وقد يقال إن الفقر هو أحد الأسباب التي تؤدي إلى الفساد والانحراف المالي، فيُنسب إلى الإمام علي ( كرم الله وجهه ) أنه قال: «ما دخل الفقر إلى بلد إلا وقال له الكفر خذني معك.» إلا أن الخبراء أوضحوا أن الفقر ليس عاملا أساسيا في الفساد المالي والانحلال الإداري أو الخلقي. ففي بعض التجارب التي أجريت لوحظ أنه بالرغم من القدرات المادية العالية للمشاركين إلا أنهم كانوا ميالين للانحراف والانخراط في الفساد المالي. من هنا أوضح المختصون أن الجشع عامل أساسي في انخراط الشخص في عملية الفساد والإفساد. بجانب الجشع هناك نقاط أخرى تمت الإشارة إليها مثل: الرغبة في التحكم والسلطة والتساهل في تطبيق الأنظمة وغيرها. ولعل واقعنا المعاصر يثبت هذه الحقائق. فرغم الامتيازات الكبيرة والرواتب العالية التي يتقاضاها بعض العاملين في مناصب مرموقة إلا أنهم لا يتوانون عن الانخراط في إهدار المال العام أو الاستيلاء عليه. فقد كشفت هيئة حماية المستهلك عن الكثير مما كان مستورا من أنواع الفساد بين التجار وأصحاب رؤوس الأموال. ولعل قول الإمام علي (كرم الله وجهه) ينطبق على تلك الحالات الإنسانية التي تعاني العوز والفقر فيتم استغلالها من قبل أصحاب المال. وهذا الاستغلال يأتي من أولئك الجشعين الذين كلما نهلوا من المال العام ازدادوا نهما من غير شبع. وللجشعين تاريخ وجذور نفسية ترتبط ارتباطا كبيرا بالحرمان الذي عاشوه وبالقيم السيئة التي تربوا عليها. وكما يقال «مال الحرام لا يدوم... وان دام لا يعمر... وان عمر دمر». ومن هنا لا نستغرب سريان تأثير الحرام وأكل السحت على الأبناء والأحفاد.


و عملية الفساد لا تقتصر على الفساد المتعلق بالمال عبر الرشوات والسرقات العينية وإنما استطاعت تلك العقول الفاسدة التفنن فيما يمكن عمله من أجل تحقيق مبتغاها الشهوي أو المالي. من تلك الأمور التي تمت الإشارة إليها في الندوة هي تلك التي ترتبط بالخلل الظاهر في التعليم والصحة وفي عدد من المؤسسات العامة والمتمثل بشكل أخص في وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب. ومن الملاحظ أن هذا النوع من الفساد قلما يظهر في المؤسسات الخاصة وإن ظهر فإنه عادة يكون محصورا بين أبناء وأقرباء صاحب المؤسسة، حيث تسند إليهم الأدوار الإدارية العالية ولا تمنح تلك المناصب للغير إلا إذا كان ذلك الغير مؤهلا ولديه قدرات يستطيع بها الإسهام في تطوير الشركة أو المؤسسة. وقد علل الخبير في جهاز الرقابة المالية والإدارية أن هذا الخلل المتمثل في وضع أشخاص غير مناسبين في أماكن غير مناسبة يتسبب به أشخاص غير مقتدرين، لأن مثل أولئك لا يمكن لهم أن يبحثوا عن الأكفاء ليكونوا معهم بل يبحثون عمن هم أقل كفاءة منهم. لكن الواقع أيضا يشير إلى أن عملية الكفاءة في المؤسسات الحكومية الأحادية القرار لا تشكل خطرا على أولئك الرؤساء الأقل كفاءة. فمن الممكن بكل سهولة ويسر القضاء على الكفاءات عن طريق تجميدها، فالأفراد المؤهلون والأكفاء لا يقام لهم أي وزن في معادلة الخطر أو الخوف أو التحدي لأي من المسؤولين. وإذا ما شعر أو توهم المسؤول بأن تلك الكفاءات تشكل خطرا ما عليه فإنه لن يتوانى عن استخدام طرق أكثر التواء وغير إنسانية أحيانا من أجل إبعاد تلك الكفاءات عن طريقه. فتخوف من هذا القبيل في المؤسسات العامة ليس له أساس عند هذه الشريحة من بني البشر. فعملية وضع شخص رئيسا للقسم أو نائبا للمدير أو مديرا أو مديرا عاما أو غيرهم أو إعفاء آخرين وإزاحتهم من تلك المناصب تتم بقرار صادر من المسؤول الأعلى. وبعض هؤلاء قد لا يهمه إلا عملية الموازنة بين الأشخاص وغالبا ما تكون من أجل مصلحة أو سبب ما.

من بين النقاط التي أثيرت في الندوة هي أن المجرم وفي هذه الحال سواء كان تاجرا أو موظفا بغض النظر عن مرتبته يوازن بين حجم الجريمة وحجم العقاب. فهناك علاقة طردية بينهما. فكلما كان العقاب رادعا كلما خفت الجريمة، وكلما قل العقاب أو انعدم زادت الجريمة. وانعدام الضمير يحبب إلى أولئك المتسلقين أو الفاقدين للضمير أكل المال العام بكل أنواعه كما يزين لهم ظلم الآخرين وأخذ حقوق الغير. وخفوت «ثقافة العيب» كما سماها أحد المتحدثين أوجدت اللا حياء انطلاقا من القول المأثور «إن لم تستح فاصنع ما شئت». وثقافة انعدام الحياء هي واحدة من الثقافات التي استشرت في مجتمعاتنا بسبب أن القيم الاجتماعية أصبحت باهتة. وبهوت هذه القيم أدى إلى استحداث قيم أخرى صار لها الوزن والثقل الأكبر بين أفراد المجتمع. وفي حديث مع أحد المثقفين كنا نستعرض بعض الممارسات الاجتماعية التي يستهجنها ديننا الحنيف لكن رغم ذلك كان المجتمع يرى لها أهمية ويسهم في ترسيخها على سبيل المثال الامتناع عن الزواج من خارج دائرة المجتمع. إلا أن هذه الممارسات أصبحت مقبولة حاليا ولكن مع استساغة بعض الممارسات المقبولة دينيا وعقليا فقد فقدنا من ناحية أخرى الحس والشعور وأصبحنا نستسيغ ممارسات أخرى كنا نستهجنها أو نحاربها اجتماعيا. ومن هذه الممارسات التي حوربت اجتماعيا السرقة أو انتهاك الحرمات أو ارتكاب الرذائل بأنواعها كالغش وبخاصة التجاري منه وغيرها من الأمور التي يستحقرها العقل البشري وهذه المحاربة الاجتماعية كانت تسهم في خفض مستوى الفسادو من الوقائع اللافتة للنظر حاليا لبيان ما قلناه هو ما أشار اليها أحد المتحدثين بذكر المقولة الشائعة: إذا سرق الشخص ريالا يتم سجنه أما من يسرق ملايين الريالات فيتم احترامه رغم معرفتنا لتلك السرقات.

أشار أحد الباحثين إلى منظمة الشفافية الدولية التي تقوم منذ إنشائها عام 1995 بإصدار مؤشر دولي سنوي لملاحظة الفساد ويرمز له بـ (CPI). ويقوم هذا المؤشر بترتيب دول العالم حسب درجة الفساد بين الموظفين والسياسيين. ويعرف الفساد وفقا لهذه المنظمة على أنه: «إساءة استغلال السلطة المؤتمنة من أجل المصلحة الشخصية.» ويتم وضع الدول في قائمة بشكل تنازلي حيث توضع الدول الأقل فسادا في أعلى الجدول والدول الأكثر فسادا في أسفله وتمنح مؤشرا يتراوح بين 1 إلى 10. فالدولة الأقل فسادا يكون مؤشرها أكبر من تلك التي يرتفع فيها مستوى الفساد. وقد عرضت في الندوة بعض الأرقام التي تبين مؤشر الفساد في كل دول العالم بما فيها مستوى عمان بين تلك الدول. فحسب الاحصائيات المنشورة في ويكبيديا فإن مستوى مؤشر الفساد في عمان عام 2008 كان 5.5 مع ملاحظة انه (كما ذكرنا آنفا) كلما هبط الرقم نحو الأسفل كلما كان مستوى الفساد عاليا في تلك الدولة. بينما حققت عمان درجة 6.3 في عام 2005. إلا أن السؤال هو لماذا مستوى الفساد ازداد في عمان ؟ وما هو دور جهاز الرقابة المالية والإدارية تجاهه؟ وفق المعلومات المعروضة في صفحة جهاز الرقابة المالية والإدارية فإنه صدر أول « قانون يختص بتنظيم تدقيق حسابات الدولة بتاريخ 10 /3 /1985م بالمرسوم السلطاني رقم 36 /85 متضمنا الأهداف والاختصاصات والمسؤوليات المنوطة بالجهاز (وكان مديرية عامة في حينها) والجهات الخاضعة لرقابتها والتقارير الدورية والسنوية الصادرة عنها. « لكننا كمواطنين لم نلمس حتى الآن أي دور بارز لهذا الجهاز برغم القضايا التي أعلنت من جانب الجهاز وتم أو يتم التحقيق فيها - إلا اللهم كما قيل: إذا سرق الشخص ريالا يتم سجنه أما من يسرق ملايين الريالات فيتم احترامه وعلى هذه الشاكله! واحدة من النقاط التي تم الإجماع عليها من قبل جميع المحاضرين في الندوة والتي تمثلت في إجابتهم على السؤال التالي: ما هي سبل مكافحة الفساد؟ الجواب الذي اشترك الجميع فيه هو: المساءلة أو المحاسبة.. وهذا ما نفتقده.. فلهذا لا بد لنا من أن نعيد النظر!