السبت، 23 مارس 2013

بين منتهي الصلاحية واللاصلاحية!

نعيش هذه الأيام هاجس «منتهي الصلاحية». ومنتهي الصلاحية هذا أصبح من المصطلحات المستجدة على وطننا الغالي بحيث عَمَّقَ لدينا ثقافة فحص المواد والسلع الغذائية.


http://main.omandaily.om/node/129674
نعيش هذه الأيام هاجس «منتهي الصلاحية». ومنتهي الصلاحية هذا أصبح من المصطلحات المستجدة على وطننا الغالي بحيث عَمَّقَ لدينا ثقافة فحص المواد والسلع الغذائية. كما وأن هذه الثقافة جعلتنا نستشعر خطر كل ما نأكل أو يأكله أبناؤنا. فكلنا يتذكر بأننا نادرا ما كنا نتأكد من صلاحية المواد التي نشتريها أو نستهلكها. فالثقة التامة بالمؤسسة الرسمية وبأمانة من نتعامل معهم لم يكن يرقى إليه أدنى شك. صحيح أن جميعنا كان يتكلم بالسر أو العلانية عن التجاوزات المختلفة التي كانت تحدث هنا وهناك، وعن الفساد الذي يستشري في بعض المؤسسات وعن تدني مستوى التعليم والصحة وعن عدم إخلاص بعض المسؤولين، إلا أن جميع تلك الأحداث أسهمت بشكل أو آخر في بلورة وجه آخر للمجتمع العماني والذي تجلى من خلال التندر والفكاهة والنقد المباشر وغير المباشر. وكل تلك التجليات اندرجت تحت سقف أن الخطورة تقع بالدرجة الكبيرة على الماديات، من باب أخذ ما لا يجب أخذه وسلب الشعب ثروته ومقدراته أو عدم المحافظة على تلك المقدرات الوطنية. ولكن.. أن يستجد مصطلح جديد في قاموسنا العماني فهذا تطور ملموس!
فمصطلح «منتهي الصلاحية» ليس أول مصطلح أضيف الى القاموس العماني مسايرة لركب التطور الذي نشهده، فهناك مصطلحات سابقة كان لها امتداد في التاريخ العربي، فلم تكن أمة العرب سوى جزء من الانسانية بإيجابياتها أو سلبياتها، لكن مصطلح «منتهي الصلاحية» لم يكن معروفا عند أجدادنا. فعلى سبيل المثال فإن أجدادنا لم يكونوا يعرفون بأن هذه السلعة أو تلك منتهية الصلاحية بل كل ما تداولوه تمثل في كلمات من قبيل «خربان» أو «فاسد»، وبالتالي يتم التخلص منه بوجه من الأوجه. لكن في العصر الحديث وبدخول عدد من المواد الكيمياوية وغيرها في الأغذية والمأكولات جلب لنا معها مفهوما جديدا هو تاريخ صنع المادة وتاريخ آخر لانتهائها. وبين هذين التاريخين هناك ثقة تامة لأكل ما نشتهي أكله. لكن حالة الحذر والخوف التي نعيشها هذه الأيام غيرت تلك العقلية الواثقة بمن حولها إلى عقلية تَفَحُّصْ وتساؤلْ وتحليل. أتذكر قبل عدة أعوام حينها لم نكن نحذر أبناءنا في السلطنة من الأكل بما في أيدي زملائهم، وقتها ذهبت إلى الولايات المتحدة مع عائلتي وأنا أحمل بداخلي تصورات مسبقة بسبب تأثير الاعلام، فقد كنت أعيش هاجس الخوف من أن يتورط أبنائي من أكل سموم العصر. أتذكر حينها أنني أرسيت عددا من القوانين والمراسيم في احتفالاتهم «بالهلوين» الذي يكثر فيه توزيع الحلويات على الأطفال. ومن كثرة تكراري لتلك المراسيم فقد حفظها الأولاد وعاشوا رعبا حال دون أن تسيطر رغباتهم الطفولية على قوانين أمهم. ومن بعض الحوادث الفكاهية، قال لي ابني بعد عدة أعوام: «في ذلك اليوم، كنت كلما أجد أحدا يأكل شيئا أو يقدم شيئا لصاحبه كنت أقول: (هذه مخدرات)، وان اضطررت لأخذها فإلى أقرب سلة مهملات يكون مآلها...» وها هو حالنا في هذه الأيام هنا في هذا الوطن العزيز.. فنعيد سيرة تلك المراسيم والقوانين مع أبنائنا ولكن الفارق بينهما أن هناك كان بسبب هواجس وأوهام خلقها الاعلام وهنا بسبب واقع نعيشه كل يوم. هذا هو الحال مع مصطلح «منتهي الصلاحية» ولكن ماذا سيكون حالنا مع «اللاصلاحية»؟
قبل عدة أسابيع كشفت أحد المواقع الخليجية اللثام عن عدد من الشخصيات في إحدى الدول الخليجية الذين يتصدرون مواقع مهمة اعلامية أو قيادية أو استشاراتية أو غيرها وهم يحملون شهادات عليا مزورة. هذه الحادثة والتي بلا شك لا تقتصر على تلك الدولة الخليجية وانما تمتد الى شعوب أخرى قد نكون نحن في هذا الوطن من بينها. فلم يعد غريبا أن ترى فجأة كلمة الدكتور تتصدر أسماء كانت بالأمس القريب قد أنهت مستلزمات شهادة الماجستير أو لم تكن حتى تحمل تلك الشهادة، وإذا بها خلال أقل من سنة من استلامها للشهادة الأولى تمكنت بعصا موسى الحصول على شهادة الدكتوراة «. لقد أشار الكاتب فهمي هويدي في أحد مقالاته بعنوان «دكتوراة للبيع» الى انتحار بعض الشباب المصري بسبب قسوة الحياة تنازل عن جهده مقابل حفنة من المال حصل مقابله بعض الخليجيين أو غيرهم على شهادات عليا ماجستير كان أو دكتوراة. ثم يواصل الكاتب ساردا بعض تجاربه فيقول: «سألت (س) حامل دبلوم التجارة عن عدد الاطروحات التي أعدها خلال سنوات عمله الأربع في المركز، فقال إنها 12 رسالة ماجستير ودكتوراة، أعدها لثمانية أشخاص، نصفهم مصريون والنصف الآخر من أبناء الخليج، ممن اصبحوا يتولون مناصب مرموقة في أقطارهم، أحدهم صار نائب وزير، ورشحته بلاده لأحد مناصب الجامعة العربية
تجد ظاهرة شراء الشهادات رواجا بين الكثيرين ممن يلهثون خلف تلك «الدال» من غير جهد أو عناء. لهذا كثر أصحاب تلك الشهادات التي لا تحمل أية صلاحية. قد تكون تلك اللاصلاحية في بعض المواقع لا تؤثر فينا كثيرا من الناحية العقلية أو النظرية أو العلاجية.. رغم كونها ظاهرة مَرَضية تزعزع من ثقة المجتمعات بحاملي تلك الشهادات من غير تمييز. إلا أن التقرير أوضح أن بعض حملة تلك الشهادات يمارسون نشاطات مهمة في تلك الدولة الخليجية مثل الدعوة أو الاستشارات بمختلف أنواعها. وحينما تبدأ تلك الشهادات في التحرك في الواقع العملي للناس مفتية تارة ومعالجة أخرى فهنا تقع الكارثة الكبرى لأن اللاصلاحية تكون قد أوجدت لها صلاحية! هذا الواقع ليس بغائب عن مجتمعنا فالكثير من مكاتب الاستشارات النفسية أو التربوية أو الاسرية لا يحمل أصحابها أو من يقوم بعملية الاستشارات سوى شهادات لبضع دورات حضروها هنا وهناك. كما أن بعضهم لم يحصلوا على مؤهل علمي يؤهلهم من تقديم استشارات نفسية أو تربوية أو أسرية. والوجه الآخر للاصلاحية تجده بين المدربين الذين أصبحوا يمارسون عملية الافتاء والتدريب والتعليم في كل حقل وعلم.. ناهيك عن طول تلك الألقاب التي تضاف الى أسمائهم. فترى هذا يفتي في المجال التربوي وذلك في القضاء والثالث في الإدراة والقائمة طويلة كما قالت إحدى الزميلات. هناك العديد من الأمثلة التي تتحرك بيننا لهؤلاء الأنصاف المتعلمين الذين يخلقون حولهم هالة بسبب بعض القدرات الخطابية التي يمتلكونها ومن ثم يحاولون تعليم الآخرين أنصاف المعلومات والمفاهيم التي التقطوها من هنا وهناك. فحضور دورة واحدة أو حتى خمس في مجال ما لمدة أسبوع أو أقل أو أكثر أو قراءة كتاب أو سماع محاضرة لا تكفي في أن ندعي الصلاحية. مع الأسف، في هذا العالم المتلهف للربح السريع فقد أوجدت اللاصلاحية لنفسها عالما من تلك العوالم الواسعة من الربح المادي، فيتحول اللاهثون خلف الشهرة أو الربح المادي السريع إلى متخصص في مجال أو آخر بين ليلة وضحاها. ولهذا ومن أجل الحد من احتكار اللاصلاحية صلاحية عالمنا فلا بد أن... نعيد النظر!