الأحد، 17 مارس 2013

البقاء في الهامش.. إلى متى؟ -1

 كنت معلمة في يوم ما.. وكنت أهوى التعليم، وأبتكر من أجل أولئك الصغار عالمًا من الخيال في صف صغير بكثافة طلابية عالية من منطقة جبرو بمطرح، حيث كان هناك من يستعصي عليه فهم اللغة العربية.


http://alroya.info/ar/citizen-gournalist/citizen-journalist-/52080------1

كنت معلمة في يوم ما.. وكنت أهوى التعليم، وأبتكر من أجل أولئك الصغار عالمًا من الخيال في صف صغير بكثافة طلابية عالية من منطقة جبرو بمطرح، حيث كان هناك من يستعصي عليه فهم اللغة العربية. إلا أنّ عالمنا الطفولي الذي كانت تلك التلميذات الصغيرات يرفرفن فيه كأنهنّ طيور وعصافير تغرد، وبين تلك التغريدات كن يتعلمن مفاهيم الجمع والطرح.. وبين لعبة الحروف والبطاقات المتطايرة نقرأ ونكتب كلماتٍ وجُمَلا. وفي ذلك القفص الجميل الذي شكلناه من مقاعد الدراسة ترفرف بعض الطيور.. فنعُدُّهم: واحد.. اثنان .. ثلاثة.. وبين جوانب ذلك الصف الدراسي الذي تخيلناه بستانًا أخضر جميلا تهرب بعض من العصافير فتبدأ عملية العد: سبعة 7 عصافير، طارت منها ثلاثة 3 عصافير.. فكم عصفـورا بقي؟ فتتسابق الصغيرات لتعد العصافير المتبقية. وحين تتطاير أمامنا صفحـات كتاب "اقرأ" وتنسل منها الكلمات في نسق و تناغم فنغني معا بأصوات الأحرف لنردد قراءة أصوات تلك الأشكال: "ع م ا ن..." فكانت كلمات وطني.. موطني.. وعمان، تتشكل أمام أعيننا لتلامس بعد ذلك نبضات القلب، فنهتف معًا: "أحب عمان". وقتها لم نكن بحاجة إلى لغة غير التي كنا نتعلمها معًا، وكانت تلك اللغة هي التي فهمها وتعلمها الجميع من غير عناء أو تعب.
في ذلك العالم الجميل حيث كنت أدير مملكتي الصفية الصغيرة كانت تلك العصافير والطيور تتراقص بين يدي بحب وبلغة مشتركة. إلا أنّ تلك اللغة كانت صعبة الفهم و المنال على تلك (الموجهة التربوية!) التي ما إن تفتح باب صفي حتى تنهال عليَّ بلغتها العقيمة التي كانت تضجر أفراد مملكتي فتتساقط أمام- عقليتها التقليدية وأسلوبها الفظ- فطنتي وإبداعاتي، فأغدو كالعليل الذي يفقد قدرة الحركة والتحرك، فتتطاير تلك العصافير والطيور بعيدًا خوفًا من النسور التي قد تنقض عليها.. وبعد عدد من تلك الهجمات من تلك المشرفة أو الموجهة، بعدها فقط، قررت أنني لا أحب التدريس! وبحثت عن سبل لهجره.. إلى أن هجرت الوزارة بأكلمها!
هكذا تتحول الطاقة إلى نقيضها.. وهكذا تتحول الممالك الهادئة والراسخة إلى بؤر ومستنقعات حينما نفقد جمال الكلمة وروح المشاركة ويعيش المعلم في حلبة فارغة من المرشد الناصح أمام خصم عنيد ضمن جمهور لا يثمن جهده.. فيا ترى كيف له الصمود والاستمرار؟ و لهذا فلا عجب أن تكون نتائج الدراسات الدولية التي تم الإعلان عنها أخيرًا واستحياء بفندق قصر البستان تحت عنوان (ندوة مناقشة نتائج الدراسة الدولية في الرياضيات والعلوم) متدنية أو تكاد تلامس القاع . وتأطير الندوة بالكلمات الجميلة لا يغير الحقيقة وإنّ ما سيغيرها هو المواجهة الشجاعة والصريحة والعزم القوي على تقويم الاعوجاج، وهذا (مع الأسف الشديد) ما تفتقده الوزارة.
كان إخراج الندوة جميلا وأطّرت بكلمات طيبة وجذابة وزُيّنت بعبارات مؤثرة لتغطية ما لا يمكن ستره، بقول أحد المسؤولين: "تكتسب هذه الندوة أهمية كبرى لأننا نأمل أن تدلنا على مواطن الضعف في جميع الجوانب ذات الصلة بالتعليم وتعلم مواد الدراستين". جميل أن أدرك المسؤولون أخيرًا ما كان المعلم والواقع يخبرهم به! لكن الأجمل ما زال مفقودًا وهو أنّهم لم يشيروا إلى السؤال الأهم: ما هو أساس وأسباب ذلك الضعف.. ومن هو المسبب.. وكيف كان من الممكن تلافيه.. وهل سيتم تصحيح الوضع ونرى نتائج مشرفة في الاختبارات القادمة؟ أمّا المقترحات التي استخلصها المجتمعون من تلك الندوة فتتمثل في التالي:
1) إعداد مناهج تتناسب مع المحاور التي تستهدفها الدراسات و تضمينها في مناهج السلطنة.
2) إعداد أنشطة إثرائية تعنى بالقدرات العليا لدى الطلاب.
3) إقامة حلقات عمل مستمرة للمعلمين و ربطها بالمخرجات التعليمية.
4) توفير كتيبات كنماذج للأسئلة المطبقة في الدراستين و التعجيل والتطوير في أساليب التقويم بما يتناسب مع التجديد في الأساليب الدولية. و عدد آخر من المقترحات الأخرى المشابهة لتلك وضعت من قبل مسؤولين بالوزارة، من المتوقع أن يكون لها دور و شأن، كل ذلك أمام وزيرة التربية والوكلاء والسعادة و غيرهم من مديري العموم. لكن.. فكما يقول المثل العربي "البعرة تدل على البعير،" فكذلك الحال بالنسبة إلى تلك المقترحات التي تُظهر بأنّ خلل وزارة التربية و التعليم لا يقتصر على مناهج دراسية أو أنشطة أو غيرها وإنّما يمتد إلى نقص في الوعي بالعمليّة التعليمية التي لابد وأن ترقى نحو خدمة أهداف كبيرة فلا يتم الاقتصار في تشكيل المناهج لخدمة الاختبارات. فبدلا من أن نرتقي بالمناهج الدراسية لتخدم الأهداف التعليمية فإنّ معظم المقترحات التي تطرق إليها المشاركون كانت بمستوى أقل من المتوقع. فعلا إنها مأساة أن يتم التطرق حتى من قبيل تقديم الاقتراحات من قبل مسؤولين في الوزارة بهذه السطحية.. منتهجين أسلوب التركيز في العملية التعليمية وفق أسس ضيقة بعيدة تمام البعد عن التفكير المبدع والرؤية الثاقبة. مع الأسف، حين يفقتد المرء البوصلة أو إذا لم يكن قادرا على قراءتها فمن الصعب عليه تحديد اتجاهاته. ومن غير تقييم شامل للعملية التعليمية فإنّ هذا التخبط لن تكون له نهاية. وحينما يكون المعلم في آخر قائمة الأولويات.. فالسلام على ذلك البناء، الذي لايولي أهمية لأساسه أو يقيم بناءً لا عماد له.. وأهم ما نحتاج إليه الآن هو النظر قليلا إلى المعلم الجاد؛ كونه إنسانًا تفنى أيامه ولياليه في خدمة أبناء هذا الوطن.. وللحديث بقية!