الأحد، 21 أكتوبر 2012

الإساءة إلى المقدسات من وجهتي نظر مختلفتين

هناك الكثير من المواضيع نتردد غالبا الخوض فيها لعدد من الأسباب منها ما هو متعلق بالثقافة السائدة أو انطلاقا من أنها ما زالت خارج الاهتمام الاجتماعي أو لأنها تتعارض كثيرا مع التفكير العام
 
هناك الكثير من المواضيع نتردد غالبا الخوض فيها لعدد من الأسباب منها ما هو متعلق بالثقافة السائدة أو انطلاقا من أنها ما زالت خارج الاهتمام الاجتماعي أو لأنها تتعارض كثيرا مع التفكير العام. إلا أن الندوة التي أقامتها جمعية الكتاب والأدباء والتي عقدت في النادي الثقافي بتاريخ 8 أكتوبر تحت عنوان «الفيلم المسيء.. قضية معاصرة.. وأفق للتساؤل..». شكلت لي دافعا كبيرا في إكمال مقال كنت قد بدأت في كتابته منذ فترة، ثم توقفت عنه لسبب من الأسباب المذكورة . فقد كشفت الندوة لي بأن التفكير العام للمجتمعات قد لا يعكس التفكير السائد عند المثقفين بل من الممكن أن يكون مغايرا له.
فقد يكون المثقف أحيانا أضعف من أن يصرح برأيه للعديد من الأسباب. فمن خلال قراءاتي لما نشر حول حادثة الإساءة للنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم وجدت أن هناك رأيين أساسيين أخذا في الظهور والتداول بشكل واضح.
الرأي الأول يدعو إلى كظم الغيظ وعدم الانفعال وبالتالي عدم إعطاء مثل هذه الوقائع التي تستهدف الاسلام والمسلمين بعدا كبيرا. فكل ما قيل أو تم إثارته من شتائم أو سب للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو توصيف مشين لشخصيته العظيمة أو غيرها من الأمور سواء من خلال الصور الكاريكاتورية أو الأفلام المسيئة لا يمكنها أن تصمد أمام قوة شخصية الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، هذه الشخصية التي وصفها الباري تعالى «وإنك لعلى خلق عظيم». فهو النبي الذي صبر وتحمل كل العذابات والأذى حتى أنه صلوات ربي عليه وآله قال: «ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت».
وعليه فإن أصحاب هذا الرأي يرون بأن هذا التهويل والتضخيم لهذا الحدث من قبل المسلمين الذين هالهم ما رأوا أو سمعوا لم يولد سوى الشهرة للرسام الكريكاتوري أو لمخرج الفيلم المسيء مثلما حدث قبلهما لسليمان رشدي الذي صدرت في حقه فتوى آية الله الإمام الخميني.
وبالتالي فإن انفعالات محبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لها دور سلبي تمثل في اشتهار هؤلاء الأشخاص الذين لم يكن لهم من قبل أي صوت أو وزن أو شأن. ويضيف بعض أصحاب هذا الرأي بأن حرية الرأي في الغرب كما إنها سمحت لهؤلاء السفهاء بسب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنها أيضا سمحت في نشر كثير من الكتب أو الأقوال التي تمجد النبي الأطهر .
من هنا فإنه من الأهمية بمكان (وفقا لهذا الرأي) تجاهل ما قيل في حق رسول الله ، والسكوت عنه وذلك انطلاقا من السنة التي سنها الرسول الكريم في تجاهل أمثال هؤلاء الحثالات في عصره. كما وإن الاستهدافات الموجهة ضد المقدسات الإسلامية من قبيل حرق للقرآن الكريم بأسلوب يتسم بالإصرار والعناد اللذين أبداهما ذلك القس المتهور أمر أصغر من أن نوجه له أي اهتمام. أو أن ذلك الفيلم السيء الإخراج والأداء لا يتطلب منا أي وقت نضيعه للرد عليه.
ويرى هذا الفريق أن المظاهرات السلمية التي تخرج للإعلان عن رفضها لما يجري من استهدافات لمعتقدات المسلمين بأنها غير فاعلة و غير مؤثرة على تحريك ساكن أو تبديل واقع أو التأثير في عقول و أفكار من يعملون ضد الإسلام و مقدساته، بل على العكس من ذلك فإن هذه المظاهرات تسهم في إظهارنا بمظهرالناعقين خلف كل ناعق أو كما يستشهد البعض بقول الشاعر:

لو كلُ كَلبٍ عَوى ألقَمْتَهُ حَجَراً
لأصبحَ الصَّخْرُ مِثْقَالاً بدينارِ

أما الرأي الآخر فإنه يرى ضرورة التعبير والتظاهر والإعلان عن سخطنا وغضبنا لما هو حادث، فإن عدم الإكتراث لهذه الأفعال المشينة لا يعني سوى قبول الإهانة وإتاحة المجال لأعداء الإسلام بالتمادي في تدنيس كراماتنا. كما أن ظاهرة الغضب من أجل أعراضنا وأوطاننا و مقدساتنا هي ظاهرة إنسانية. فلهذا فإن هذا الاتجاه وإن كان اختلف أفراده من حيث طريقة التعبير عن الرفض لتلكم الإساءات بين من يؤيد أستخدام العنف وبين من يرفضه، إلا أنهم مجمعون على ضرورة الإعلان عن الرفض والسخط تجاه الإساءات الموجهة ضد رسول البشرية بشتى الطرق.
فمن بين أولئك من لا يبدي أي اعتراض تجاه ما حدث مع السفير الأمريكي في ليبيا باعتبار أن «أمة الكفر واحدة» وأنهم جميعا شركاء في التعرض للرسول الكريم، فالراضي بفعل قوم محشور معهم. إلا أن أصحاب هذا التوجه يمثلون الأقلية كما تابعنا من خلال الإعلام. وهذه الأقلية ظهرت في دول ما يسمى بالربيع العربي (مصر وليبيا). وقد تكون ليبيا هي الدولة الوحيدة التي ظهر فيها العنف بشكل كبير ولا نريد أن نخوض في التفسيرات المختلفة التي طرحت لتفسير هذا الحدث من اتهام أعداء الإسلام في ترتيب ذلك لإضافة نقاط إضافية في رصيدنا الإرهابي.
إلا أن الأكثرية من أصحاب هذا الرأي يؤكد على ضرورة إظهار الرفض لهذه الإساءة من خلال المظاهرات السلمية أو من خلال ما شاهدناه في بعض الدول الغربية من تقديم ورود تحوي سيرة وأقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتؤكد على ضرورة الالتزام بالتعاليم الإسلامية في عدم الإضرار بالآخرين أو ممتلكاتهم أو غيرها من الأمور. كما أن هذا الفريق يؤكد على وجوب التخلق بأخلاق الإسلام في التعريف بهذا الدين الحنيف. لكن عملية التخلق بأخلاق الإسلام لا يمكنها أن تكون بمنأى عن رفض كل ما يجري من استهداف لمقدسات المسلمين. وعملية التعبير السلمي أثبتت أن لها تأثيرا كبيرا و إن كان حاول أصحاب الرأي الأول تحجيمها، فتأثيرات تلكم المظاهرات لا يمكن حصرها. ففي الوقت الذي تظهر تلك المظاهرات والاحتجاجات الصاخبة للكائدين لديننا الحنيف بأننا أمة واعية ومدركة لما يجري من حولنا من أخطار، فإنها تؤكد في الوقت نفسه بأننا أمة مستميتة في حب رسولها ومتفانية في عقائدها وإن عملية الاعتداء على مقدساتنا لا يمكن أن ندعها تمر بهدوء ومن غير احتجاج.
ما استنتجته هو أن الرأي الأول هو الرأي الأكثر شيوعا ورواجا بين أغلبية المثقفين العرب وإن اختلفوا في تفسيراتهم وتعليلاتهم. فمنهم من يقول بأننا قبل أن نبدأ بالتظاهر ورفض ما يحدث، فالأولى بنا أن نصلح أمورنا أو نعامل الفئات والأقليات في أوطاننا على أسس العدالة.. و .. وأيضا هناك من يطرح هذين الرأيين في كتاباته إلا أنه يختمها بضبابية دون أن يوضح رأيه.
والمتتبع لهذه الأحداث لابد له أن يلمس أن هذا التسلسل في الأحداث الموجهة نحو معتقدات المسلمين ليس لها إلا تفسير واحد يكمن في هذه المقولة: «إذا أردت أن تهون أمرا في وجدان إنسان ما فقلل من شأن ذلك الأمر أمامه حتى يعتاد عليه وبذلك سوف يسهل عليك توجيه ضربتك إليه». قبل فترة أعلن عضو من الكونغرس الامريكي رغبته في ضرب الكعبة المشرفة. ومن أجل الوصول إلى مثل تلك الأهداف فمن الضروري ترويض نفسية المسلم لاستقبال جميع تلك الإهانات من غير ردود أفعال.
و أخيرا، أليس من الغريب أن نرى أنه حينما يقوم غير المسلم بعملية إرهابية فهو مختل عقليا أو يعاني مشاكل نفسية بينما عمل شبيه يحدث على يد مسلم فهو عمل إرهابي؟ فالعمل الإرهابي ليس بنوع العمل وإنما بديانة الشخص الذي يرتكبه!
وعلى غرار هذه السياسة نفسها، فإذا قام أحدهم بالاعتداء على المقدسات الإسلامية علت الأصوات طالبة عدم التشهير بالمعتدي والدعوة الى السكوت عن الإساءة حرصا على عدم إكساب الفاعل أية شهرة! فالشهرة هي مبتغى هؤلاء المسيئين لديننا الحنيف ومقدساته، كما يحاول البعض تصويره لنا. مع الأسف، إن هذه المقولة الجوفاء التي يحاول البعض تمريرها لا تؤدي فقط إلى الاستهانة بمقدساتنا وإنما تتعدى إلى التقليل من شأن قدراتنا والسخرية من عقولنا. وهنا أسأل ما هي الشهرة وما هي قيمتها؟ هل أحد منا يطمح في شهرة مثل شهرة هتلر أو موسوليني أو شارون أو غيرهم؟
من الملاحظ أن الله سبحانه وتعالى ذكر أبا لهب في القرآن الكريم ولم يأت بذكر اسم أحد من الصحابة الكبار بأسمائهم أو كناهم غير زيد! فهل الشهرة خير بحد ذاتها حتى نحول بينها وبين المسيئين لديننا ومقدساتنا؟ وهل لهذا النوع من الشهرة أية قيمة أخلاقية أو معنوية حتى نجعل ثمنها السكوت عن الإساءة لمقدساتنا؟ ألم ينل فرعون مصر و أبولهب والكثير من السيئين تلك الشهرة الجوفاء والخالية من أي قيمة خلقية سامية.. فلماذا لا يستمتع بها من هم على شاكلتهم؟ .. فلنُعِدِ النظر!