الجمعة، 24 مارس 2006

ملاحظات عابرة

مع التقدم الذي نشهده في مجال العلوم والثقافة والتكنولوجيا نتعجب حين يثير البعض السؤال التالي: لماذا الطالب في هذا العصر أقل مقدرة من الناحية الأكاديمية عن الطالب في الأجيال السابقة؟

مع التقدم الذي نشهده في مجال العلوم والثقافة والتكنولوجيا نتعجب حين يثير البعض السؤال التالي: لماذا الطالب في هذا العصر أقل مقدرة من الناحية الأكاديمية عن الطالب في الأجيال السابقة؟ أو أنهم يضعون ملاحظتهم بالصيغة التالية: “أولادنا أقل مستوى دراسيا منا او اذا ما قورن الواحد منهم بطالب من نفس الفئة العمرية من الأجيال السابقة تجده أقل مستوى من الناحية الأكاديمية”. أما الملاحظة الثانية فتطرح فكرة مناقضة لهذه الفكرة. ومن الغريب أن تجد كلتا الفكرتين تتردد بين الفينة والاخرى من نفس الأفواه. وتتلخص الملاحظة الثانية في الفكرة التي تقول إن الطالب في هذا العصر أكثر فهما واستيعابا لما حوله من جيلنا الذي اقتصر ادراكه على القليل من البديهيات التي يحتاج اليها. هاتان الملاحظتان تُظهران لنا التناقض الظاهري بين الطالب الذي دون المستوى العلمي للآباء والأجداد لكنه فوق مستوى قدراتهما الادراكية. الا اننا اذا تمعنا في واقع هاتين الفكرتين فسنجد انهما تعكسان حقيقة واحدة وهي ان عصر التطور والتكنولوجيا أتى ببعض من ثماره كما أن هذا العصر كغيره من العصور محكوم بالكثير من السنن والقوانين الكونية.
ماذا ننتظر من عصر التطور التكنولوجي غير أن يعيننا على أقل تقدير في التقريب بين الثقافات وسهولة الاتصال والتلاقي بين الأفراد والحضارات ومعرفة أحوال الأمم والتواصل الإعلامي والتلاقح الفكري، وسهولة الحركة، والتنقل، والمقدرة على اقتحام مختلف المجاهيل والبحث والتقصي. هذه بعض من الفوائد التي لا تخلو من الأضرار اذا ما تم تناقلها من غير وعي وادراك. هذا الانفتاح الحضاري لا بد أن يكون له أثر في نمو قابليات أبنائنا الطلبة وتفتح مداركهم. فكلما كانت المثيرات التي تحيط بالطالب ذات أهمية واسعة أثر ذلك في نمو امكاناته العقلية وقدراته الذكائية. الا أن هذا المفهوم يقف على النقيض مما يثار بالنسبة لضعف الامكانات الأكاديمية لطلاب هذا الجيل.
تقاس القدرات الأكاديمية عادة بمعايير وضعناها نحن الكبار لنقيس ما نراه أو نرغب أن نراه في أبنائنا الطلبة. وهذا لا يعني ان هذه المقاييس خاطئة ولكن ذلك لا يعني أيضا أن ما نقيسه من الأمور والمبادىء هي التي من المفترض على الطلبة تعلمها. وإنما هي اجتهادات نأمل من خلالها ان نصل إلى ما نراه مناسبا لأبنائنا أن يتعلموه من المبادىء والقيم والمفاهيم التي تعدهم وتؤهلهم لهذه الحياة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى حينما نطلق حكما ما بشأن قدرة أولادنا أو كفاءتهم فإننا ننسى أن نحاكم المناهج الدراسية التي قد تحتوي أيضا على عوامل القصور في الرقي بهذا الفرد أو اؤلئك الطالبة. فعلى سبيل المثال أعلن Terrel Bell (1984) وكيل وزارة التربية الأمريكية ان المناهج الدراسية الأمريكية تعاني من نزول حاد في المستوى dumped down. هذا ما توضح من خلال الدراسات التي أجريت لاحقا والتي أظهرت نزولا حادا في مستوى الصعوبة في المناهج الدراسية. فالطبعات الأخيرة من المناهج الدراسية لنفس الصف الدراسي أسهل كثيرا اذا ما قورنت بالطبعات السابقة لنفس الصف الدراسي من حيث مستواها في تنمية الاستعداد، والنضج لدى الطالب أيضا من حيث صعوبة الأسئلة وكثرة كمية الرسومات المتضمنة فيها. وأيضا أوضح المختصون في مجال التربية بالولايات المتحدة أن مستوى المناهج الدراسية تدنى بمعدل صفين دراسيين من حيث صعوبتها خلال السنوات الخمس او العشر الماضية.
قد تكون هذه واحداً من الأسباب إلا أن هناك ملاحظات أخرى يمكننا أن نوردها في هذا السياق لنبرر بها تدني مستوى الطالب أو بالأحرى تدني مستوى دافعية الطالب للتعلم. التعلم مرتبط ارتباطا وثيقا بالدافعية. والدافعية للتعلم وليدة عدة أمور منها على سبيل المثال المنهج والمعلم والبيئة التعليمية. السرد السابق أوضح ضعف المناهج التي بلا شك ذات تأثير في ضعف الدافعية. أما بالنسبة للملعم فإن وقفة تأمل تكفينا لنصل إلى بعض من النقاط التي قد تساعدنا على فهم خلفيات الملاحظة الخاصة بشأن المستوى الأكاديمي لطلبة هذا الجيل.
اذا أجرينا دراسة مقارنة بين مستوى المعلم في وقتنا الراهن وبين مستواه في الماضي سنجد تفاوتا واضحا بينهما. وقد يكون السبب عائدا إلى أن مهنة التعليم كانت تمارس كهواية ورغبة بالإضافة إلى احساس المعلم بأن المجتمع بحاجة اليه. إلا أن هذه الامور قد تبدلت بحيث أصبح التعليم مهنة تمارس لسد حاجات شتى منها الحاجات المادية أو لكسر الملل كما هو عند البعض أو لتحقيق الذات كما هو عند البعض الآخر أو لأنها أفضل المتوفر. والوضع الاجتماعي السابق الذي كان يضع المعلم في الصدارة الاجتماعية قد تبدل بسبب تغير نظرة المجتمع الذي أصبح يولي مهنا أخرى ثقلا أكبر.
فأصبحت مهنة التعليم لا تحتل قيمة اجتماعية كبيرة في بعض المجتمعات مثلما كانت في السابق، الا أن ذلك يتفاوت بتفاوت احتياجات المجتمع وثقافته. وهذه النظرة الاجتماعية كان لها أثرها في مستوى دخل المعلم المادي. فحسب احصائيات الولايات المتحدة لرواتب العاملين لعام (2001) فإن رواتب المعلمين تقل بنسبة 20% عن رواتب الكوادر العاملة الأخرى المساوية لمستوى المعلمين الأكاديمي (من حيث مستوى الشهادة ومستوى التدريب).
تلك كانت بعضاً من الجوانب التي قد تكون أسهمت في انخفاض مستوى الطالب ناهيك عن المتغيرات الأخرى التي هي من صميم المعاناة التعليمية والتي تنادي الدول المتقدمة بضرورة تقويمها من أجل إيجاد سبل تؤدي إلى تعليم أفضل مثل جو العمل في المدارس أو البيئة المدرسية وتأهيل المعلمين ودعم المعلم بالتوجيه الجيد. لكن يبقى السؤال حول المساعي التي قمنا بها من أجل معرفة أسباب هذا التفاوت في المستوى الأكاديمي بين الأجيال؟ والسؤال الأهم.. هل هذه ملاحظات عابرة أم أن لها أساساً واقعياً؟

fa_anwerk@yahoo.com