الأحد، 24 فبراير 2013

السنن بين الأجر و الوزر!

الانسجام بين فطرة الإنسان وممارساته هو من الأمور التي تحمي المنظومة البشرية. وهذا الانسجام نلاحظه بشكل واضح عند الأطفال في بداية تكون القيم و المفاهيم لديهم، حيث
 
http://main.omandaily.om/node/126455
الانسجام بين فطرة الإنسان وممارساته هو من الأمور التي تحمي المنظومة البشرية. وهذا الانسجام نلاحظه بشكل واضح عند الأطفال في بداية تكون القيم و المفاهيم لديهم، حيث تسمعهم يقولون اعتراضا او تصحيحا لكلامك «لا.. لم يحدث هكذا». وأحيانا تراهم يستنكرون أفعالا ما أو يطالبون أباءهم بالالتزام بعهودهم. ومن العبارات الدارجة والشائعة التي لاحظت تداولها بين الأطفال الامريكيين هي عبارة: “It is not fair” «هذا غير منصف.
وفي هذا المضمار فإن الدين الاسلامي حثنا على إرساء قيم و سنن خيرة في المجتمع. ففي المأثور أن «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها.. ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ..» فالأجر أو الوزر لا يقتصران على الفعل والفاعل وإنما لهما امتدادات، بمعنى أن تأثير هذه السنن سواء كانت إيجابية أو سلبية تتعدى الفرد الذي سنها الى كل من سار على نهجها على امتداد الرقعة الجغرافية أو الحقب الزمنية. وحينما يتم سن سنة ما فإننا نميل الى الغفلة عن أننا نسهم في التأسيس لفعل له تأثير غير محدود سواء كان صالحا أو سيئا. وهذا الحث الإسلامي على سن السنن الطيبة باعتبار أنها تبقى وتثمر كما أنه نهانا عن سن السنن السيئة لانها لا تبقى فحسب وإنما من السهل أن تتكاثر وبالتالي تصبح عادة متأصلة في الأفراد والمجتمعات. إلا أن هذه المعرفة عن السنن رغم عمق أبعادها فإنها ظلت حبيسة الكتب ولم تتعد الى الممارسات الحياتية عند الكثيرين سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي أو الوطني. وهذه المحدودية في ترجمة هذه المعرفة إلى سلوك هي السبب في الكثير من المآسي التي نعاني منها على المستوى الوطني.
هذه السنن بشقيها الإيجابي والسلبي هى أفعال لها نتائج و هذه النتائج تكون لها تأثيرات، ونوعية هذه التاثيرات هي التي تحدد مستوى تأثير العمل فنحن أحيانا قد نستصغر عملا ما أو نسن سنة ما دون أن نعي بأنها قد تكون لها أبعادا كبيرة. فنوعية تأثير الأعمال أو السنن التي أسهمنا في ممارستها هي التي تحدد درجة أو مستوى العمل. فإن كانت السنة التي استحدثناها سنة طيبة مثل التكافل الاجتماعي أو العدالة في التعامل أو إقرار مبدأ الحوار والنقاش أو تقبل الآخر وغيرها من الممارسات الاجتماعية التي لا تعد ولا تحصى والتي تسهم في بناء مجتمع قوي وبالتالي وطن قوي فهنا نقول: لقد تم غرس قيم طيبة أي سنن حسنة. وفي المقابل فإن السنن السيئة التي يتم غرسها او ممارستها في أي مجال كان مثل الاحتكار أو الغش أو الظلم و المحاباة المستندة على المحسوبيات أو أكل حقوق الآخرين وغيرها تكون لها تبعات سيئة على المجتمعات والأوطان ويتم الحكم عليها وفق شدتها فنقول: «عمل إجرامي» أو «عمل ظالم» أو «ممارسات سيئة» وبالتالي «سنة سيئة». وغالبا ما تأخذ هذه الممارسات السيئة مجالا واسعا لها لأنها صدى لتلك الغريزة الشريرة التي تحتاج لمقاومتها إلى ارقى أنواع السمو النفسي.
هناك الكثير من القيم الحسنة التي مارسناها وحافظنا عليها لحقبة من الزمن إلا أن هناك الكثير من المتغيرات التي أسهمت في تلاشيها وفنائها. فمن المتغيرات ذات التأثير القوي في تلاشي تلك القيم الخيرة عند البعض هي المنصب أو المال أو الشهرة أو ما شابهها من الأمور. فحينما تكون في موقع ما أو يكون لك رأي وقدرة ما، وقتها تستطيع ان تقر أو تسن قيمة أو سنة سواء كانت إيجابية او سلبية أي كما يقال بأنك الآن عند «المحك»! فمع الاسف، عند هذا المحك فشل الكثيرون ممن نادوا أو دعوا طويلا إلى التغيير، لكنهم بدل أن يقودهم ذلك المنصب أو المكانة أو غيرها إلى إقرار وسن سنن طيبة انحدروا نحو تفعيل أو سن سنن سيئة، فساروا بذلك في نفس ركب من سبقهم في سن سنن سيئة. ومن الأمثلة التي نلاحظها هو ما أن يتربع بعض المسؤولين على كراسيهم إلا وتنغلق أبوابهم و تُركَّبُ لهم مصاعد خاصة لتأكيد ذلك الانغلاق أو التهرب من مواجهة من وقع عليهم ويلات السنن التي سنوها. واذا قلبنا صفحات الحاضر والماضي فسنرى العديد من القيم الخيرة التي تلاشت و تم تبني قيم أخرى بدلا منها سواء على المستوى الاجتماعي او الوطني والتي لا تمت بقيمنا و عاداتنا وتقاليدنا بصلة لكنها اصبحت من الممارسات التي يمارسها البعض من غير ضمير أو وازع ديني. وهذه السنن السيئة التي تم سنها أو ممارستها لحقبة من الزمن غدت هي الأصل و ما سواها أصحبت تكرما من بعض أصحاب القرار.
وهذه الممارسات في سن السنن السيئة يساعد على انتشارها انعدام الحساب و الكتاب والمساءلة ولهذا يسن بعض أولئك المسؤولين سننا وفق ما يحلو لهم من غير وازع ديني أو إنساني أو قانوني. فعند افتقاد الوازع الديني فإن الوازع الدنيوي يشكل مصدرا لسريان السنن و تفعيلها بين الأفراد والمجتمعات فتتحول بقوة ذلك الوازع الى عادات وممارسات تستسيغها الفطرة وبالتالي يتم محاربة ما سواها. لهذا حينما نمتدح الممارسات الغربية في إقرار العدالة (وإن كانت بصورتها النسبية) أو السير ضمن القوانين والأطر العامة فإنها (اي الممارسات) تنطلق من أساس ان تلك القيم تم تثبيتها بالوجدان العام نتيجة الخوف من العقاب أو المحاسبة التي يقف المواطن والمسؤول أمامها على حد سواء. وقد أسس لذلك رسول البشرية حينما قال: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
لقد كنا في صمت مطبق لسنوات طويلة وهذا الصمت وفي ظل غياب الحساب كان من العوامل الأساسية التي ساهمت في نشر الكثير من السنن السيئة في مجتمعاتنا. ومن تلك السنن التي يعاني منها وطننا والتي تحرص الجهات المعنية في إعادة تشكيلها من خلال المراقبة ونرجو أن تكون بعدها محاسبة على قدر العمل لتشكل رادعا هي مأساة السلع منتهية الصلاحية. ففي أحد النوادر المتناقله عبر «الوتساب» هي أن:»مواليد 1980 حتى 2013 غدوا منتهي الصلاحية.. لأنهم شبوا على تلك المأكولات المنتهية الصلاحية فغدت عقولهم منتهية الصلاحية». لكنهم، والفضل لله على أنه سبحانه وقاهم (أي مواليد تلك الحقبة الزمنية) من شر تلك المأكولات وظهر هذا الجيل أكثر قدرة على تحمل المسؤولية من أجيال أخرى . فكان لهم الفضل في سن سنن خيرة في محاربة كل ما يضر بهذا الوطن من خلال الحوار ومبادراته الخيرة.
لهذا فإن الامل في أنهم هم، وكل ابناء الوطن الاوفياء، من سوف يعيدون صلاحية وحفظ هذا الوطن من وباء أولئك الذين أرادوا به السوء. إن إعلاء الصوت والمطالبة بمحاسبة كل من يسيء لهذا الوطن كائنا من كان وفي أي مجال كان وبغض النظر إن كانت الإساءة من خلال سن سنن لها تأثيرات سلبية بسيطة ( كما يعتقدون) أم إجرامية هو مطلب أساسي لا مندوحة عنه، لأننا بذلك سوف نساعد في فتح عقول وأفهام أولئك الذين ما زالوا في سباتهم القديم في إرساء السنن الباطلة والسيئة. فقد آن لهم أن يستيقظوا.. ويعيدوا النظر!