السبت، 5 مايو 2012

التربية و التعليم في مجلس الشورى بين الواقع و الطموح

كثيرة هي المصطلحات التربوية و الانسانية التي دارت حولها نقاشات أعضاء مجلس الشورى في جلسته التي استضيفت فيها معالي الدكتورة مديحة الشيبانية وزيرة التربية والتعليم...

كثيرة هي المصطلحات التربوية والإنسانية التي دارت حولها نقاشات أعضاء مجلس الشورى في جلسته التي أستضيفت فيها معالي الدكتورة مديحة الشيبانية وزيرة التربية والتعليم بتاريخ 29 أبريل.
لقد كانت تلك المصطلحات زاخرة بالكثير من المعاني العميقة كما أن النقاشات الساخنة عكست الحرص العام على التعليم والمتعلمين والعملية التعليمية بأكملها. فالعملية التعليمية في هذا الوطن مرت بالكثير من التغيرات. ولم تنحُ جميع تلكم التغيرات منحى إيجابيا فبعضها ترك آثارا سلبية؛ بحيث أن أحد تلكم التأثيرات السلبية الذي تركته ممارسات هذه العملية التعليمية هو أنه نتج عنها جيل من المخرجات يفتقد إلى أبسط أبجديات المتعلم من حيث قدرته على القراءة والكتابة وغيرها من الأمور التي تعتبر في الدول المتقدمة من المتطلبات الأساسية لكل من ينال شهادة إكمال الدراسة ما قبل الجامعة. وهذا الضعف في المستوى الأكاديمي للطلبة كان نتاج ذلك التغيير الذي اعتمد على القرارات العشوائية المتسارعة في اقرار برنامج تعليمي ما أو إلغاء برنامج آخر من غير مسوغات واضحة أو معروفة حتى للمشاركين في العملية التعليمية، ناهيك عن المواطنين المعنيين من معلمين أو إداريين وأولياء الأمور وغيرهم من فئات المجتمع. ولا شك أن هذا التسرع وتلك العشوائية في التغيير كان أحادي الجانب؛ حيث إنه لم يعكس الحاجة الحقيقية للمتعلمين، ولم يقم على أسس بناءة.

تلك كانت؛ مرحلة إلا أن نتائجها السلبية لا تزال ماثلة حتى الآن حيث يرزح تحت ثقلها الطالب والأسرة والمجتمع!
أمام هذا الواقع المثقل بالسلبيات، أبدى أعضاء مجلس الشورى في مناقشاتهم تطلعاتهم لبناء جيل متعلم طامحين إلى تعليم يراعي كل طالب حسب قدراته وإمكاناته.. مدركين أن المقاس الواحد لا يمكن أن يتناسب مع كل طالب، فكما أن الله خلقنا بأطوال وأجسام مختلفة، كذلك فإنه رزقنا مواهب وقدرات وإمكانيات متفاوتة. كما خص أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى مسألة غرس القيم العليا أهمية خاصة على اعتبار أن التعليم المتميز لا يأتي بمعزل عن الأخلاق والقيم السامية. ومن خلال هذه التطلعات الكبيرة ندرك أن الاهتمام بالعملية التعليمية لا يكون بمنأى عن الاهتمام بالمعلم واحتياجاته ونموه المهني وبمناهج تتناسب مع فلسفة التعليم المستندة إلى القيم الإسلامية والوطنية النبيلة، إضافة إلى إدارة مدرسية كفؤ ومبان مدرسية صالحة وغيرها من التطلعات التي تصب كلها في خانة إيجاد نظام تعليم متميز. هذا هو الطموح إذن!

بهذه البديهيات التي طالب بها المجلس معالي الدكتورة، فإنه في الوقت نفسه لم يغفل عن أهمية اهتمام الوزارة بالكفاءات والخبرات العمانية، خصوصا ذوي الشهادات العليا.. الذين تعرضوا في زحمة التنافس الذي شهدته الوزارة سابقا، إلى عملية تجميد.. وظلت تلكم الكفاءات على وضعها من عملية التجميد، بل إن بعضهم ظل من غير مكاتب ومورس ضد بعضهم عدد من السلوكيات المزدوجة التي سايرت مرحلة القرارات السريعة والمراعاة العمياء لمصالح البعض.

أمام هذه التطلعات والطموحات للشعب العماني والتي عكسها أعضاء مجلس الشورى في مداخلاتهم، أظهرت معالي الدكتورة الكثير من اللباقة والصبر عند إجابتها عن معظم الأسئلة. كما أنها ظهرت هادئة مبتسمة ومكررة شكرها لأعضاء مجلس الشورى تطلعاتهم ورغباتهم. غير أنها بهذه القدرات الجيدة، لم تستطع معاليها أن تخفي وراءها بعضا من التوتر حينا أو التهرب من الأسئلة الحرجة التي لم ترغب الخوض فيها حينا آخر. فمثلا في استفسار لأحد أعضاء مجلس الشورى حول التعامل السلبي مع الكفاءات الوطنية ردت معاليها بطريقة لبقة وبدبلوماسية نافية أن يكون انتقال الكفاءات أو استقالتها ناتجا عن أي سبب آخر غير المتصل بالفرص المادية التي تعرض عليهم من جهات أخرى! لكن حين تحدث أحد الاعضاء مشيرا إلى مثال حي بينهم في مجلس الشورى حول كفاءة خبيرة في وزارة التربية مجمدة منذ ست سنوات، فإن معاليها كانت على درجة من الذكاء بحيث أنها أطالت الإجابة على الشق الأول من السؤال وأهملت الشق الثاني الذي سبب لها نوعا من الارتباك. ومرة أخرى، حينما سألها أحد الأعضاء حول تفاوت التصريحات بين وزراء التربية السابقين والحاليين، كانت معاليها بنفس القدر من اللباقة بحيث ركزت على جزء من السؤال تاركة الجزء الآخر من غير إجابة.

أمام كل ذلك يمكن لي القول بأنه لم يكن من العدالة تحميل معالي الدكتورة كل سلبيات الماضي ومحاسبتها عليها لو أنها اعترفت بوجود سلبيات في العديد من الأمور المهمة، بدلا من اللجوء إلى عبارات مثل: "سندرس الأمر"، "سنشكل لجنة"، "ننتظر اقتراحاتكم.."، وهذا هو جوهر المشكلة. وهذا مع الاسف الشديد لم ينتبه إليه المسؤولون والمتصدرون للقرار في بلدنا. فاللباقة أو وضع معطيات غير سليمة لتبرير ظاهرة ليست بالأمر الذي يمكن أن ينطلي على الجميع.. فلم نعد نعيش في عصر نجهل فيه أبجديات التفكير أو نفتقد القدرة على التحليل. لهذا كنت آمل أن اسمع معاليها تقول: نعم هي أخطاء نعترف بها ونعمل على إصلاح الأمور ويهمنا دوركم ودعمكم لنا.." كنت أتمنى لو اسمع ذلك.

لو أن معاليها بعد أن تولت مسؤولية الوزارة وأصبحت صاحبة القرار قامت بعملية إصلاح شاملة من خلال تفعيل دور الخبرات والكفاءات المخلصة وحجمت دور ذلك الموروث السابق الذين لم يعد وجوده مرغوبا فيه من قبل الكثيرين.. ولو انها تعاملت مع الكفاءات على اسس غير متحيزة وفتحت أبوابها لاستقبال المعلمين والخبرات وأصحاب المؤهلات واتسمت برحابة الصدر التي وجدناها عليها في مجلس الشورى.. لكانت معاليها اليوم مثالا يحتذى به.

وأخيرا، إن النظريات التربوية والموروث الإنساني يؤكد بأن المرء يتأثر ويتعلم من المحيط الذي يحوط به. فعلى سبيل المثال، إن معاصرة بعض المسؤولين الحاليين للمسؤولين السابقين أفقد البعض القدرة على تبني أسلوب خاص بهم وجعلهم تحت تأثير أفعال من سبقهم من حيث اتجاهاتهم وتعاملاتهم والتي قد لا تتماشى مع هذا الوضع الجديد. فلم يعد الوزير في الوضع الجديد محاطًا بتلك الهالة التي كانت لسلفه، ولم تعد كلمته هي الحاسمة. ولم يعد مخالفة تلك الكلمة أو طرح وجهة نظر أخرى سببا ممكنا لمعاقبة هذا أو استبعاد ذاك دون مراعاة لمؤهلاته العلمية أو تجميد آخر لسنوات طويلة أو سلب جميع حقوقه كموظف (كما حدث مع تلك الخبيرة التربوية التي أشار إليها أحد أعضاء مجلس الشورى).

لم يعد الوزير وكأن ما للوزارة ملكه والمال ماله!.. إن عملية التغيير تحتاج لوقت عند البعض لإدراكها.. فليس من السهل على وزير ما بعد أن كان يتعامل مع وزير سابق بأسلوب يتسم بالتبجيل والتعظيم أن يجد نفسه الآن وزيرا فاقدا التقديس والصولجان!
لكنه الزمن.. قد يترحم البعض على تلك الايام إلا أن الآخرين من محبي هذا الوطن يرونه زمنا جديدا حررهم من قيود الذل ومن أشخاص اعتبروا منصبهم هبة من عند الله.. ولكن لنتذكر "وتلك الأيام نداولها بين الناس"!