الأحد، 8 أبريل 2012

القرأة بين الطموح و الواقع

 صاحب العام الجديد الكثير من المستجدات التي انصهرت لتلتقي مع الفكر والحلم والطموح. وحمل معه عددا من المتغيرات التي كانت قد طرأت على واقعنا منذ العام الماضي ...


صاحب العام الجديد الكثير من المستجدات التي انصهرت لتلتقي مع الفكر والحلم والطموح. وحمل معه عددا من المتغيرات التي كانت قد طرأت على واقعنا منذ العام الماضي حيث بدأ الفكر يستنير بريح التغيرات. وتمازجت تلك التغيرات مع حلم يمني الجميع بعالم أفضل لأبنائنا.. فكان عام فعاليات الطفل العماني!
بدأ العام الجديد بحلم كبير لايجاد عالم مبدع بطيف العطاءات والانجازات التي تحاول بكل جهد لتوازن بين كفتي الميزان: الإعلان عن عام الطفل وواقع الطفل في شتى الميادين. فالإعلان عن عام للطفل بحد ذاته هو قرار سياسي بإعطاء الطفولة جميع حقوقها أو على أقل تقدير العمل نحو إرساء تلك الحقوق وفق خطة متكاملة بين جميع الجهات المعنية.. لتستظل بمظلة واحدة بدلا من ان تدلي كل جهة بدلوها بمعزل عن الجهات الأخرى! إلا أن هذا الحلم الكبير الذي ما زلنا على أمل في أن نراه واقعا لم يحن بعد أوان تشكله أو ولادته إلا على مستوى بسيط. فتلك الرغبة المتأججة التي تلهب مشاعر المواطنين من أجل الطفل العماني لم تسفر سوى عن محاولات على المستوى الفردي او الاجتماعي لتحقيق بعض من تلك الرغبة الدفينة. فانطلقت العديد من المبادرات على المستوى الشخصي من قبيل تحفيز الأطفال على القراءة. وطرحت عدد من الفعاليات في هذا العام كما حاول الأهل في بعض مناطق السلطنة العمل على إنشاء مكتبات عامة بمستويات صغيره هدفها نشر الكتاب وتوفيره في يد من يرغب.
إلا أن هذه الجهود المتواضعة التي تصب جميعها في خدمة الطفل العماني لم ترق إلى المستوى المطلوب بسبب غياب العناصر الأساسية التي تؤثر في مد هذه الجهود الفردية بمقومات نجاحها.
المبادرات الشخصية أو الاجتماعية لتعريف الطفل بالكتاب وتحبيبه للقراءة هي أمور سابقة ولاحقة لعدد من العوامل المهمة والواجب توافرها والتي تؤثر وتتأثر ببعضها. وهذه العوامل تتمثل في البيت والمدرسة والمجتمع ومكتبة عامة بالإضافة الى قدرات الطفل نفسه. قبل عدة سنوات وبالتحديد بين عامي 2008 و2009 كتبت عددا من المقالات بجريدة عمان ضمن سلسلتين كانت السلسلة رقم (1) والتي ضمت 12 مقالا تحت عنوان "اقرأ لطفلك..". لقد تطرقت في تلك السلسلة إلى الأبحاث التربوية ومنها تلك الأبحاث المعنية بأهمية القراءة مع الأطفال. فقد ذكر الباحثون أن تأثير القراءة مع الطفل منذ الصغر تسهم في تفوقه الدراسي ونمو قدراته اللغوية والعقلية. وقلت أن "القراءة فعل مركب من العديد من العمليات التي يقوم بها المرء أثناء فعل القراءة. والقراءة مع الطفل تحمل أكثر من مجرد متعة قراءة نص مكتوب أو قصة تخيلها كاتبها. فعندما يطرح فعل القراءة تتلاحق معه العديد من الأفعال كالمحادثة والتفكير والتحليل والسؤال والجواب". هذه العمليات المركبة في فعل القراءة تقوم أيضا على كيان متعدد الأطراف تعتبر المكتبة العامة والكتاب جزءا منه. إلا أن المهم في عملية القراءة وحب الطفل للكتاب واتخاذه صديقا له هو ثقته من ان الكتاب من الممكن ان يصبح ذلك الصديق، وهذا ما نفتقده لأسباب متعددة. فطرح فكرة الكتاب والقراءة وتشجيع الطفل عليها هي جزء من منظومة متكاملة تبدأ من البيت والأسرة وتتواصل مع المدرسة والمجتمع الى ان تزرع في الطفل تلك الثقة بالكتاب فيتخذه صديقا وأنيسا وخير جليس. ومن أجل بناء تلك الألفة فإن هذه المبادرات والتي يشكر القائمون عليها تبقى ناقصة.
قبل عدة سنوات حينما رجعنا الى الوطن بعد الانتهاء من الدراسة فإن الأمر الوحيد الذي كان يزعج ابني ذي الأعوام الأربعة حينها "انه لا توجد مكتبة عامة في عمان" لكنني لم أعط لذلك العامل بعدا كبيرا. فعدم وجود مكتبة عامة لم يكن يشكل لي هاجسا في انقطاع صلته وصداقته بالكتاب التي كانت قد نمت إلى أبعد حدودها معولة على دور البيت والمدرسة التي ألتحق بها. فالمدرسة والأسرة من الممكن أن يكملا بعضهما البعض، إلا أن غياب دور المدرسة هو الذي جعل ابني يقطع تلك الصلة بالكتاب. والقيود المدرسية المختلفة في المكتبات المدرسية تجاه توفير الكتاب في يد الطالب كانت أكبر من قدرته على مواصلة محاولاته في الحصول على الكتاب بشكل روتيني. كما أن المدرسة أو بالأحرى معظم مدارسنا تفتقد سياسة واضحة ومنهجية تجاه أهمية القراءة.
من ناحية أخرى يلعب الضعف اللغوي للطالب سواء من حيث قدرته على القراءة أو استيعاب ما يقرأ عاملا مهما في ألفته بالكتاب. فالطفل يألف بمن يفهمه أو بمن يستطيع أن يتحدث معه! وهذه الحالة هي كحالة الواحد منا حين يقرأ كتابا باللغة الصينية (لمن لا يعرفها) فسيحمل الكتاب لكنه سرعان ما يرمي به على أقرب كرسي. لكننا قد نقرأ كتابا باللغة الانجليزية التي قد نستطيع فهم بعض مفرداتها أو معرفة أحرفها، إلا أن عدم إتقان اللغة بشكل جيد سوف يثنينا عن مواصلة القراءة.. وحتى حينما نقرأ بلغتنا الأم في كتاب لا نستطيع فهم محتواه أو معانيه، فمن الطبيعي سوف نبحث عن كتاب غيره. فمواصلة قراءة ما لا نفهم أو ما لا نعي هي بلا شك مضيعة للوقت.. فلماذا نلوم أطفالنا؟
القراءة قبل أن تكون منهجا نتعلمه هي ممارسة نكتسبها من البيت والمدرسة والمجتمع. فإذا كان الأب لا يقرأ والأم لا تقرأ والإخوة منشغلون باللعب والمعلمين والمعلمات والرائدين في المجال التربوي صلتهم بالكتاب محدودة بحدود المتطلبات الضرورية فمن سوف يعرف الطفل على أهمية ممارسة القراءة وبمن سوف يقتدي؟ الغريب أننا حين ننتظر أدورانا في المستشفيات أو المرافق الأخرى كل ما نشاهده هو انشغال الجميع باللعب بالهواتف النقالة أو إرسال الرسائل ولربما البعض يقرأ من خلال تواصله بالانترنت.. هذه المشاهد أثمرت ولكن بشكل سلبي إذ كل ما يطلبه أبناؤنا منا هو ان نشتري لهم هواتف حديثة! إن تلك المبادرات المتميزة تحتاج بجانبها إلى مزارعين متميزين يحسنون صنع الفلاحة وحرث الأرض وإروائها.. وسماد تلك الأرض والدين يقرآن ومعلم متفان ومدرسة تثمن الكتاب وأخيرا مجتمع يحمل تلك المبادرات النيرة.. فلْنُعِدِ النظر!