الأحد، 22 أبريل 2012

الرؤية بين بعد واحد و ابعاد مختلفة

حينما ينظر المرء إلى ما حوله بعين واحدة يرى أجزاء من الصورة. وإذا كان قد خلق أساسا بعين واحدة فرؤيته لهذه الأجزاء تعتبر نعمة وترفعه درجة عن الشخص الذي لم يحظ بهما معا....

http://main.omandaily.om/node/93129

حينما ينظر المرء إلى ما حوله بعين واحدة يرى أجزاء من الصورة. وإذا كان قد خلق أساسا بعين واحدة فرؤيته لهذه الأجزاء تعتبر نعمة وترفعه درجة عن الشخص الذي لم يحظ بهما معا. ولكن حينما ينظر الشخص البصير إلى الصورة نفسها بعينين معا فهو يرى كل محاسن أو مساوئ الصورة. وهذه الرؤية تساعده على رؤية جميع أبعاد الصورة بمحاسنها أو مساوئها. فيتغنى بالحسن ويهجو السيئ. وهذا التغني والهجاء هما وليدا تلك التجربة التي عاشها مع الصورة بكل جوانبها. الرؤية بعين واحدة أو بعينين معا هي كتلك التجربة التي تمر بها سواء من خلال بعد واحد أو من خلال أبعاد شتى. البعد الواحد أو الأحادي هو حينما تعيش تجربة ما في وطنك أو بيئتك، لكن حينما تعيش عددا من التجارب سواء من خلال تنقلاتك أو رحلاتك أو من خلال قراءاتك أو مشاهداتك أو من خلال سماعك أو اختلاطك بالآخرين، فإن كل ذلك يشعرك بأنك أصبحت ترى العالم من حولك بعينين لهما أعماق وأغوار تتصل بتلك النعمة المودعة في داخل رأسك والتي تسمى بالمخ والتي تحلل وتستنتج.
هذه الرؤية المتعددة الأبعاد هي التي تجعلنا تارة نرفع أصواتنا بالنقد أو الاعتراض أو بالمطالبة بتغيير ما نطمح إليه.. وكلها من العلامات الإيجابية التي تسهم في عمارة الأرض. كما أن هذه الرؤية تجعلك تقارن بين مفاهيم حضارية عشتها وتعيشها، قرأت عنها أو سمعتها من غير أن تظل عائشا في مفهوم "كان أبي" باعتبارها من الإرث القديم الذي لابد أن يتجدد بـ "ها أنا ذا". وها أنا ذا تطرح أمامنا الكثير من الخلفيات الاجتماعية والسياسية والإدارية وغيرها.
نحن شعوب نعيش حالة الاعتماد التام والكلي على غيرنا ابتداء من تخطيط مساكننا ومرورا بصناعة سياراتنا وانتهاء بالأقلام والمداد التي نستخدمها في كتابة أفكارنا وآرائنا، بل حتى على مستوى تطوير ذواتنا أو تنظيم شؤوننا. ولكن لربما فكر بعضنا في هذا السؤال: لماذا هذا العقل المعشش في رؤوسنا لا يعمل ولا يرتقى كما هي عليه عقول غيرنا؟
النقطة الأولى التي تتبادر إلى الذهن هو أننا أو بعض منا اختار أن يعيش بعين واحدة مع أن الله سبحانه وتعالى قد حباه بأكثر من عين. هذا الاختيار هو الذي أوهن عزيمتنا وأعاد تحجيم عقولنا لتتناسب مع صغائر الأمور التي غدت تشغلنا. فشغلنا الشاغل (البعض طبعا) هو الهدم أكثر من البناء. فمصطلحات مثل التنافس والعطاء والوطنية وغيرها تتحول في عقول البعض إلى مفاهيم مغلوطة لتضرب بممارساتها في صميم تلك المعاني السامية. فيتحول التنافس عندهم إلى معول هدم يستهدف به كل فكرة قيمة أو مشروع ناجح لم يكن لعقولهم فيها دور أو لأيديهم فيها رسم. وبدلا من أن يتحول ذلك المشروع أو تلك الفكرة إلى أنموذج يقتدى به، تنهال عليه الفؤوس ضربا وتدميرا، بغض النظر عن مدى الهدر الذي قد يتسبب ذلك في المال العام. ولكني لا أخالهم يلجؤون إلى استعمال أي معول لو كان الأمر عائدا إلى مالهم الخاص! ذلك لأن الهدف الأساسي لهذه المعاول هو لإشباع تلك الغرائز الصغيرة التي لا تكبر. فحين يكتفي الواحد منا بالنظرة الأحادية تظل تجاربنا في الحياة ضيقة الأفق.. ألم يقل لنا الباري عز وجل "ويتفكرون في خلق السموات والأرض..."
إن المكرمات السامية المتوالية في رفع مستوى الكفاءات سواء بالتدريب أو إعطائها مجالا لنيل الشهادات العليا كلها تقوم على مبدأ أن "العلم نور"، والنور هو السبيل إلى الكمال والعلياء. إلا أن هذا العلم الذي هو نور تهتدي به البشرية، نراه قد انقلب (ومع الأسف) إلى عبء على صاحبه أمام جموع أبت إلا أن ترى بعين واحدة وعلى أن تسلك سلوكا ضيق الأفق والبصيرة. فحين يعود المهاجر من أجل طلب العلم إلى بلده بآمال عظام، وطموحات كبيرة لا يجد إلا فأسا مدبب الحواف قد سبقه ليعد عليه خطواته وأنفاسه. وتلك الآمال الكبيرة التي حملها لخدمة وطنه ومجتمعه، لا تلبث إلا أن تتجمد في عقله بقرارات أحادية الأفق. لقد سمعنا عن عدد من الذين عادوا إلى أرض الوطن بشهادات عليا (ماجستير أو دكتوراه)، لكنهم ما لبثوا أن قدموا استقالتهم ضجرا وهربا من تلك المكاتب الجامدة التي لا تستطيع استيعاب تلك الأرواح المنفتحة على العطاء والخير. ومن ذلك الواقع الجامد الذي كتب عليهم بسن تلك الأقلام المبراة لتحفر خدوشها في عقول نظرت بعينين فأرادت أن تعطي بحب وإخلاص، بدلا من تلك العطاءات الهزيلة التي تقاسم الكثيرون وزرها في خلق جيل يفتقر إلى قدرة على أن يكتب أو يقرأ وفق أسس سليمة!
إن أصحاب تلك الشهادات العليا الذين ركنوا في مكاتب ظلماء، الأولى أن يتم احتواؤهم في مشروع وطني والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم. فلدينا عقول متفتحة من الممكن أن تسهم في مجالات متعددة سواء في مجال الهندسة أو التقنيات أو التربية أو غيرها من العلوم التي الوطن في أمس الاحتياج إليها. إنهم لا يشكلون أي خطر يستدعي كل هذا الخوف والرعب من بعض هؤلاء المسؤولين. وأن اختلافهم في الرأي أو علمهم أو معرفتهم بالأمور أو صدقهم في النقد أو أي من تلك الأمور والتي لا تتضمن أي هز للرؤوس أو قول "الأمر لا يعنيني" أو عدم مسايرتهم للوضع السيئ هي من أهم ما ينبغي أن يتطلع إليه أي مسؤول مخلص ووطني. وإن قدرتهم على النظر بعينين معا لا تعني سوى مستقبل مشرق لأبنائنا.. بلا استثناء! والكفاءة العمانية تظل عمانية بغض النظر عن اسمه أو توجهاته.
مع الأسف إن ظاهرة تجميد الكفاءات الوطنية أصبحت تجد لها انتشارا متزايدا في وطننا الحبيب. إن هذا الوطن الذي يستوعب الكثير من التنوع لقادر على استيعاب كفاءاته الوطنية من أبنائه سواء في المؤسسات التعليمية والجامعات أو ضمن فرق لمراكز أبحاث وطنية يتصدرها من شعروا بمتعة النظر بعينين ولم يكتفوا بعين واحدة.. فهكذا خلقنا الله لننظر بعينين معا.. فلْنُعِدِ النظر