السبت، 4 يونيو 2011

نظام الترفيع .. إلى أين؟

نتيجة للاعتصامات والمطالبات التي تفيأت بظلال حرص وسعة أفق وحكمة صاحب الجلالة كان لنا ما أردنا من تغيير يواكب عصرنا ويعطينا حرية التعبير.



نتيجة للاعتصامات والمطالبات التي تفيأت بظلال حرص وسعة أفق وحكمة صاحب الجلالة كان لنا ما أردنا من تغيير يواكب عصرنا ويعطينا حرية التعبير. ودخلت الكثير من المطالبات المشروعة حيز التنفيذ، لكن، فكما ان علو سقف المطالبات يجلب الخير ويعبر عن الطموح في امور ما، فإنه في حالات أخرى قد يحيد عن المسار الصحيح. ومن بين هذه المطالبات، كانت هناك المطالب التي تصدرها المعنيون بالشأن التربوي وقد تطرق اليها الدكتور سعيد الكيتاني في مقاله المنشور في جريدة الرؤية بتاريخ 28 مايو2011. وجاءت فكرة هذا المقال إكمالا لما أشار اليه الدكتور في مقالته بشأن فكرة «الترفيع» المطبقة في نظام التعليم الاساسي، والتي يرفع فيه الطالب رغم ضعف مستواه الدراسي من صف إلى آخر في الأعوام الاربعة الأولى من غير رسوب. وأوضح في مقاله إلى أن «المفاوضات بين مسؤولي الوزارة وممثلي الميدان لا تسير بالاتجاه الصحيح» ملمحا إلى امكانية عدول الوزارة عن فكرة الترفيع والرجوع إلى نظام الرسوب الذي كان متبعا سابقا.

من خلال اطلاعي على الدراسات التربوية في هذا المجال، فإن عملية تقرير رسوب الطالب وابقائه في الصف نفسه مع طلاب جدد اصغر منه سنا في السنوات الأولى من حياته المدرسية تأتي بعواقب أسوأ من ترفيعه مع أقرانه. فوجوده مع زملاء يصغرونه سنا يؤثر عليه سلبا من خلال أن عملية الرسوب تؤثر في ثقته بذاته وتعمل كعامل لزعزعة مفهوم الذات لديه، وتشعره بأنه أقل شأنا وقدرة من غيره. وهذا الاحساس بعدم القدرة لا يسهم في تقدمه أو تحقيق أي نجاح في حياته العملية مستقبلا. وتوضح نتائج الدراسات التربوية أيضا أن آثار التأخر الدراسي سواء من حيث التحاق الطفل بالمدرسة متأخرا أو بقائه مع زملاء أصغر منه سنا له نتائج سلبية تظهر في:
1 ) زيادة قابليته بإعادة صف دراسي إضافي.
 2 ) زيادة احتمالات كونه أدنى مستوى من الطلبة الآخرين.
  3) زيادة احتمالات تسربه من المدرسة.
إن خلل فكرة الترفيع لا يكمن في عملية ترفيع الطالب في السنوات الاولى من دراسته بحد ذاتها بقدر ما يكمن في بتر الفكرة وتطبيقها جزئيا. ومن باب حسن الظن نستطيع أن نعلل أن الادارة السابقة لوزارة التربية والتعليم وتحت ضغط الميزانية بترت الفكرة وطبقت الجزء الذي يوفر عليها تكاليف إضافية، وبهذا أهملت الجزء الآخر الذي كان من المؤكد أن يحصد الوطن منه ثمارا طيبة مستقبلا تعود بالنفع العام. فنحن نزرع اليوم لنحصد نتاجا مثمرا غدا. فخلل هذه الفكرة وأفكار أخرى قد تم تبنيها أو تجاهلها من قبل الوزارة (قد يتاح لنا مناقشتها مستقبلا) تتمركز في جزئية التطبيق الناتج عن عدد من الامور.
من بين الأمور التي أدت إلى خلل في تطبيق نظام الترفيع هو ان نظام الترفيع لا يأتي ثماره إلا إذا تكامل معه الجزء الآخر الذي تم إهماله، الا وهو: الاهتمام بالطفل بشكل خاص. فنظام الترفيع لا يقوم بالدور الإيجابي المتوقع منه بمجرد ان الطفل يتم ترفيعه من صف إلى آخر رغم ضعف مستواه الدراسي، فلا بد ان تساير أو تكتمل مع عملية الترفيع آليات أخرى لمساعدة الطفل على رفع مستواه. ففي الانظمة التي تتبنى هذا الاسلوب هناك نظام آخر يطبق بشكل متوازي مع نظام الترفيع يتمثل في تقييم مستوى الطالب وتقديم حصص اضافية له أو وضعه ضمن مجموعة صغيرة لمساعدته في تخطي الصعاب. ومن هنا فإن هذا الدور لا بد ان يتم اناطته إلى معلمين اضافيين للقيام به وفق اسس تربوية وعلمية محددة.
الأمر الآخر الملاحظ في هذا المضمار في الادارة السابقة لوزارة التربية والتعليم هو ارتجالية وسرعة التطبيق من غير دراسة ممحصة أو مشاركة للتربويين أو المعلمين او الإداريين. فلا يمكن لنظام تعليمي أن يحقق أي نجاح في تبني فكرة ثم فكرة أخرى وهكذا دواليك بمجرد أن لصاحب الفكرة حظوة ما عند المعنيين. فسوء التخطيط أدى إلى الكثير من التخبط في تطبيق افكار كثيرة كانت ستحصد النجاح لو ان تطبيقها تم التأني فيها من جهة ومشاركة من لهم علم واطلاع بدلا من حصرها في مجموعة على عاتقها من المسؤوليات ما عليها.
إن إعادة تقييم الممارسات التربوية هي من الأولويات التي يجب الالتزام بها.. ونأمل في أن تكون عملية تقيمنا لهذه الممارسات وفق نظرة شمولية لتحديد مواقع الخلل من غير تقطيع للعملية التربوية إلى اجزاء .. والا فستكون لنا سقطة أعظم.. فلنعد النظر!.