الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

المقال العاشورائي: ثورة الحسين .. وأنموذج المرأة الفريدة!


كما في كل عام..تستمر المعاناة لنشر مقال عن الامام الحسين حفيد رسول الله (ص)
وكما في كل عام.. سنظل على العهد يا أبا الأحرار.. فالسلام عليك يا ابن رسول الله!

إنها القوة التي تصنع المستحيلات. ليست قوة البدن بل هي الروح التي تحمل فرادتها وجاذبيتها وقوتها لتمد محيطها بمعين ونبع حياة فريد من نوعه. إنه نبع يستمد أصله و فرادته وروحه من قِيَم لا تدركها إلا تلك النفوس القوية بعزمها وروحها وإيمانها. إنها نفوس ثلة من نساء آمنَّ بالله إيمانا سمت به نفوسهن...


إنها القوة التي تصنع المستحيلات. ليست قوة البدن بل هي الروح التي تحمل فرادتها وجاذبيتها وقوتها لتمد محيطها بمعين ونبع حياة فريد من نوعه. إنه نبع يستمد أصله و فرادته وروحه من قِيَم لا تدركها إلا تلك النفوس القوية بعزمها وروحها وإيمانها. إنها نفوس ثلة من نساء آمنَّ بالله إيمانا سمت به نفوسهن إلى علياء وأمدت من حولهن بشموخ وكبرياء، فهن للفرادة عنوان وللبطولة صور ناصعة البياض بارزة للعيان!
لم تختلط دماؤهن ببيت النبوة ولكن اختلطت أرواحهن بقيم الرسالة. فنلن شرف الجهاد بكلمات وأفعال كانتا امتدادا لعطاء خطَّ نهجاً لكل حر وأبي إمرأة كانت أم رجلا. فقد كانت صدى أفعالهن التي غيرن بها التاريخ ممتدا بامتداد الثورة، فكانت لهن بصمات واضحة المعالم قبل الثورة الحسينية واثناء الثورة وبعد الثورة.
      امتزجت فطرة نفوسهن الطاهرة بنقاء كلمات الإمام الحسين عليه السلام حينما قال: "أيها النّاس..إنَّكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحقَّ لأهلهِ يَكُن أرضى لله، ونحن أهل بيت محمد أوْلى بولايةِ هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليسَ لهم، والسائرين بالجور والعدوان". فبين خطين واضحَيِ المعالم، اختارت النساء المؤمنات خط ولاية محمد وآل محمد(ص). اختيار قام على بينة ومعرفة من الأمر، فكان عطاؤهن المتميز بالتنوع والتفرد يحكي صوراً متعددة الأشكال لحكاية واحدة في جوهرها مختلفة التفاصيل في مظهرها إنها حكاية التضحية والإيمان.
فحكاية "مارية بنت منقذ العبدي" كانت حكاية العطاء المادي والتشجيع الذي ألهبت به رجال أسرتها فتحركت رجالاتها للتفاني مع ابن بنت رسول الله (ص). فحينما عرفت مارية بوصول رسائل الامام الحسين (ع) إلى أشراف البصرة، قالت كلمتها التي دوت في جنبات التاريخ قائلة: ويلكم ما أغضبني أحد، ولكن أنا امرأة ما أصنع؟ سمعتُ أن الحسين ابن بنت نبيكم استنصركم وأنتم لا تنصرونه". وحينما اعتذروا بعدم امتلاكهم السلاح والراحلة، صبت أمامهم الدراهم و الدنانير وهي تقول: "ليأخذ كل منكم ما يحتاجه ولينطلق إلى نصرة سيدي ومولاي الحسين".
نصرة الحسين هي التي قزمت كل المخاوف والمخاطر أمام "طوعة" التي آوت سفير الحسين إلى الكوفة الملاحَق من أزلام يزيد وحاشيته. فحينما وقف مسلم بن عقيل أمام بابها غريبا عطشانا بلا مأوى ولا أنصار طالباً منها شربةً من ماء، فكانت أرأف عليه من بلسم تلك القطرات التي روته من الظمأ. وحينما وجدته جالسا أمام بابها قالت له: "سبحان الله إني لا أحل لك الجلوس على بابي.." لكنها ما أن عرفته لم تبالِ بخطر الموت أو الإيذاء وإنما تجلت شجاعتها وشهامتها وفرادتها التي استمدتها من ذلك الحب المحمدي، فآوته إلى بيتها غير مبالية بجيوش الذل والدناءة، لأنها رأت الحرية والإباء نصب عينيها.
نعم هي الحرية والإباء اللتان جعلتا " دلهم بنت عمرو زوجة زهير بين اليقين" تعتق زوجها من زيف العبودية. هي الإباء والعلياء والأصالة والفرادة التي آلت إلا أن تجعلها سببا في خلاص زوجها الذي احاطته بحلقة الحب اللا أبدي. فزهير بن القين كان عثماني الهوى ولم يكن راغبا في ملاقاة الامام الحسين (ع). لكن.. حينما أتاه رسول الإمام، قالت له زوجته: "سبحان الله! أيبعث اليك ابن بنت رسول الله ثم لا تأتيه. لو أتيته وسمعت كلامه!" تلك هي الكلمة التي كسرت أغلال القيود من داخل ثنايا قلبه ليلج ذلك الحب المحمدي نحو فطرته السليمة فانتقل بتلك الكلمات من أسر العبودية إلى العالم الأوسع المزدان بالخلود والحرية والإباء. بكلمات بسيطة فكت الزوجة زوجها من قيود العبودية!
ظلت المرأة تكسر قيود الذل وتسقي النفوس الحرة من معين غدير خالد لا ينبض، فكانت "أم عمرو بن جنادة الانصاري ذي الأحد عشر عاما" التي آلت إلا أن تسقي ابنها من ذلك المعين الخالد بعد أن استشهد والده مع الإمام الحسين عليه السلام. فأقبل الفتى يستأذن إمامه. ورأفةً بالقتى و بأمه رده الإمام إلا أن الفتى طمأن إمامه قائلا: "إن أمي أمرتني.." وحينما استشهد الفتى واصلت أمه طريقه مجاهدة وهي تقول:
إني عجوز في النسا ضعيفة   خاوية بالية نحيفة
أضربكم بضربة عنيفة   دون بني فاطمة الشريفة

     "دون بني فاطمة الشريفة" وضوح الهدف هو عنوان تلك البطولات النسائية. فلم تكن تلك العواطف عواطف جوفاء، بل كانت غرسات خالدة متجذرة في قلوب نسوة آمَنَّ بالله فزادهن وقارا وعطاء وحكمة وبيانا. فكانت تلك االمرأة الأسدية التي أراد زوجها علي بن مظاهر إلحاقها ببني عمها بني أسد حتى لا تتعرض للسبى. فقامت من مكانها ضاربة رأسها بعمود وهي تقول: "والله ما انصفتني يا ابن مظاهر، أيسرك أن تسبى بنات رسول الله وأنا آمنه من السبي؟ أيسرك أن تسلب زينب إزارها وأنا استتر بإزاري؟.. لا كان ذلك أبدا. أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء". فرجع علي بن مظاهر إلى الإمام الحسين فقال: سيدي أبت الأسدية إلا مواساتكم، فقال الحسين (عليه السلام) : "جزاكم الله خير الجزاء".
 تلك هي المعادلة التي استحالت على بعض العقول فهمها. إنها معادلة اليقين بالنصر الإلهي. إنها معادلة الانتصار المتمثل في انتصار القيم والمبادئ. انتصار القيم والمبادئ التي آمنت بها "أم وهب زوجة عبدالله الكلبي" ووجدت نفسها تواقة لرفع شأن تلك القيم، فقدمت روحها رخيصة بعد أن شجعت زوجها على اللحاق بالحسين عليه السلام. فما أن تقدم زوجها مجاهدا بين يدي إمامه حتى أخذت عمودا وذهبت مسرعة إلى ميدان المعركة لقتال الأعداء. إنها الشهادة التي شجعت زوجها لطلبها لكن ماذا عنها! حينما سمت روح زوجها إلى العلياء قالت له: "هنيئا لك الجنة، أسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك." وسرعان ما استجاب الباري توسلها فكانت أول أمرأة تستشهد في واقعة كربلاء.
وتواصل المرأة دورها البطولي انطلاقا من إيمانها وقوة اعتقادها بأزلية القيم العليا. فمادونها فانٍ فاستحقرت القصور والأموال واستهانت بالمنصب والسلطان.. وقلوبهن تتلهف لمعانقة النبل والطهر والإبا. فمن عرف الإباء لا يجد له بديلا، ومن ذاق من نبع الطهر لا يرى له عديلا، ومن ارتقى أعلى درجات النبل يستحقر كل ما دونه. و تلك كانت قصة "زوجة يزيد" التي بكل فخر وإباء تقول لزينب: إني كنت خادمة عندكم - أي في بيت الإمام علي بن أبي طالب (ع). وحينما علمت بما جرى في كربلاء أخذت حجرا وضربت رأسها وركضت إلى مجلس يزيد حاسرة الرأس وهي تقول: "أخذتك الحمية علي؟ ولم لا أخذتك الحمية على بنات فاطمة الزهراء (ع). هتكت ستورهن وأبديت وجوههن وأنزلتهن في دار خربة..".
تلك ثلة من النساء المؤمنات عرفن الحق فانصهرن فيه. لم يتربين في بيت النبوة و إنما زرعت قِيَمَ ذلك البيت الطاهر في ذواتهن فكانت صدى لفطرتهن النقية. إنهن ثلة من النساء المؤمنات اللواتي ارتقين بإيمانهن إلى درجات الشهداء والأحرار. إنها جمالية الأنثى التي عرفت الجمال في أنقى صوره وأبهج معانيه. إنها الأنثى التي تصنع التاريخ. إنها مريم وآسية وخديجة والزهراء وزينب، فسلام الله عليهن. بأبي أنتن وأمي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم وفزتم فوزا عظيما. وسلام الله عليكن يامن قدمتن أنفسكن ومهج قلوبكن من أجل نصرة ابن بنت رسول الله (ص)، وسلام الله على النبي محمد و على أهل بيته الطيبين الطاهرين و سلم تسليما كثيرا.