يقال: عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَل عَن قرينِهِ ، فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارَنِ يَقتَدي. وتأثير القرين على قرينه لا يوصف سواء سلبا أو إيجابا. في اللغة المعاصرة يقال أن هناك كيمياء بين الأشخاص
يقال: عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَل عَن قرينِهِ ، فَكُلُّ قَرينٍ
بِالمُقارَنِ يَقتَدي. وتأثير القرين على قرينه لا يوصف سواء سلبا أو إيجابا. في
اللغة المعاصرة يقال أن هناك كيمياء بين الأشخاص مما تجعلهم أصدقاء أو قريبين من
بعضهم كما إن انعدام هذه الكيمياء البشرية تقلل الجاذبية بين أشخاص آخرين. واختيار
القرين لقرينه يعتمد كثيرا على تفاعل هذه الكيمياء والتي من وجهة نظري أنها أيضا
نتاج نوعية التربية والبيئة التي يتربى فيها الشخص ويعيشها.
فحينما يكون القرين ملتزما بمبادئ معينة لا يمكنه إلا أن يقترن
بآخر من نفس الصنف أو الدرجة، إلا ما ندر. لقد راقبت هذه التفاعلات كثيرا في حياة
الكثيرين من الأطفال من حولي سواء حين كنت معلمة أو موجهة رياض الأطفال أو أما.
ووجدت حتى في البيئات التي تختلف عن البيئات العربية والاسلامية أن عملية اختيار
القرين أو الصديق بالنسبة للطفل المسلم أو العربي كثيرا ما تتحكم فيها تلك
الكيمياء التي أشار اليها العلماء. وتحكم تلك الكيمياء الاجتماعية بدا أكثر قوة من
تحكم عامل الدين أو اللغة خصوصا بين الصغار بسبب فطرتهم النقية. أتذكر انني سألت
معلمة ابني حينما كان في مرحلة الحضانة عن أقرانه فأشارت لي إلى اثنين من الأطفال
بنتا وابنا. فصرت أراقبهم كلما زرت الحضانة. و وجدت الكثير من المشتركات بين هؤلاء الأطفال الثلاثة سواء في
نوعية الشخصية أو المستوى العقلي أو السلوكي. هذه الملاحظات الميدانية التي
لازمتني بسبب ظروف التغرب خارج الوطن قادتني لمراقبة أولادي الأكبر سنا لمعرفة
نوعية الأصدقاء الذين يختارونهم فيتخذونهم أقرانا لهم. ولاحظت، رغم البيئة غير
العربية أو الاسلامية، أن عملية الاختيار كانت تحكمها تلك القيم الإنسانية التي
يتبناها او يتربى عليها الواحد منا بجانب المستوى العقلي للشخص وإمكانياته ومزاجه
الشخصي. لهذا فإن هذه الصداقات ظلت قائمة وحية رغم تباعد المسافات وفواصل الزمان.
هذه التفاعلات الكيميائية في الخلطة الاجتماعية ليست مجرد تفاعلات
نفسية واجتماعية وإنما هي أيضا تفاعلات خلقية وقيمية ونتاج معايير تسكن القلب
والروح. لهذا ترى نفسك في بعض الأحيان تحاول أن تخالط جماعة من الناس أو تقترب
منهم لكن محاولاتك تبوء بالفشل. وأحيانا أخرى تتجانس مع آخرين لم تجمعك بهم أية
علاقة سابقة، فإذا هي تلك الكيمياء التي عبر عنها العرب بأن الطيور على أشكالها
تقع!
"إن الطيور على أشكالها
تقع" هي مقولة تجد لها الكثير من المصاديق في مختلف مجالات حياتنا. وهذه
المصاديق غير محددة بزمن معين من عمر الشخص أو ببيئة بعينها،
بل تجدها في البيئة الاجتماعية كما تجدها في بيئة العمل. وأيضا هي
لا تميز بين من هو مسؤول في أعلى قمة مؤسسة ما وبين من هم في أسفلها لأن عملية
"الوقعة" نادرا ما يكون للمرء القدرة في التحكم بها فهي ليست ملك يديه
بشكل مباشر وإنما هي ملك لطباعه وقدراته أو كما يقال "طينته". ومن هنا فإن العملية
الإدارية تقتضي الكثير من الحكمة والقدرات العقلية والسلوكية التي تؤهل الواحد منا
أن يحسن الإدارة فيكون بمنأى عن تأثير الرفاق الذين هم دون الخط الإنساني أو ما
يمكن إطلاق مصطلح "رفاق السوء" عليهم.
ورفيق السوء ليس هو الرفيق الذي يساعدنا على تسويد صحيفة أعمالنا
فحسب وإنما هو أيضا تلك المرآة التي نُعرف من خلالها في الحياة. في كثير من
الأحيان حينما يشار إلى زيد أو عمرو على أنه صديق مقرب للمسؤول الفلاني أو العلاني
لمؤسسة ما، فستأخذك الحيرة من نوعية تلك الصداقة. مع الأسف ، لم تعد الأمور تحت
المستور فمن خلال مختلف الوسائل نعرف الأشخاص وأخلاقياتهم ونوعية الكلمات التي
تنطوي تحت ألسنتهم والمظلة التي يندرجون تحتها.
فمثلا نقول بأن هذا شخص مستقيم بمعنى أن له قيمة ومصداقية عند
الجميع، وذلك ضعيف الشخصية والثالث أهل للثقة والرابع "سوقي" بمعنى أن
لا قيم عنده أو أنه في نزاع وعراك مع كل شخص دونه، لأن مصالحه لا تسمح له بمخالفة
من هم أعلاه وظيفة! أو.. وذلك شخص وصولي ومتسلق وغيرها من التسميات والألقاب
الكثيرة والمختلفة والتي تطلق على الناس بناء على القيم التي يحملونها والنهج الذي
يسلكونه.
هناك العديد من الشكاوى نسمعها ضد بعض المسؤولين الكبار والتي غالبا يتم تبرئتهم منها بشتى الطرق وإلقاء العتب بدلا عنهم على الحاشية على أنهم هم سبب التقصير أو الخطأ أو عدم توصيل المعلومات الكافية للمسؤول. لكن، لنسأل: من أمد هذه الحاشية بتلك القوة لتتحكم في ما ينبغي أن يصل أو ما يمنع إيصاله الى المسؤول الكبير؟ ومن الذي آمن تلك الحاشية من العقاب حتى تفعل ما تفعله؟ وهل يعقل أن تكون حاشية مسؤولينا قادرة على النفاذ وتوجيه المسؤول إلا لسبب واحد وهو نقص في قدرات المسؤول في اختيار المقربين له؟ أو لأنه ليس بصاحب بصيرة في فهم نفسية من حوله؟ أو بأنه من أولئك الذين يقولون ما لا يفعلون؟ أو.. أو... وإذا قلبت ناظريك لتتمعن في علاقات ذلك المسؤول وصداقاته فإنها غالبا لا تتعدى تلك الحاشية التي أريد لها أن تكون إمعة تردد ما يقوله من غير نقاش أو جدال إلا بما يهواه! و اذا أدرت نظرك في حاشيته فسترى منهم من تسوؤك حتى مجالسته فلا نملك إلا أن نقول: إن الطيور على أشكالها تقع!
هناك العديد من الشكاوى نسمعها ضد بعض المسؤولين الكبار والتي غالبا يتم تبرئتهم منها بشتى الطرق وإلقاء العتب بدلا عنهم على الحاشية على أنهم هم سبب التقصير أو الخطأ أو عدم توصيل المعلومات الكافية للمسؤول. لكن، لنسأل: من أمد هذه الحاشية بتلك القوة لتتحكم في ما ينبغي أن يصل أو ما يمنع إيصاله الى المسؤول الكبير؟ ومن الذي آمن تلك الحاشية من العقاب حتى تفعل ما تفعله؟ وهل يعقل أن تكون حاشية مسؤولينا قادرة على النفاذ وتوجيه المسؤول إلا لسبب واحد وهو نقص في قدرات المسؤول في اختيار المقربين له؟ أو لأنه ليس بصاحب بصيرة في فهم نفسية من حوله؟ أو بأنه من أولئك الذين يقولون ما لا يفعلون؟ أو.. أو... وإذا قلبت ناظريك لتتمعن في علاقات ذلك المسؤول وصداقاته فإنها غالبا لا تتعدى تلك الحاشية التي أريد لها أن تكون إمعة تردد ما يقوله من غير نقاش أو جدال إلا بما يهواه! و اذا أدرت نظرك في حاشيته فسترى منهم من تسوؤك حتى مجالسته فلا نملك إلا أن نقول: إن الطيور على أشكالها تقع!
صيغ التذكير في مقالي ليست من باب التحيز لبنات جنسي وإنما لأنه
وكما يقال بأن اللغة العربية لغة متحيزة للذكور. وتحيزها هذا جعلهم (أي الذكور)
يتجرعون السالب والموجب! إلا
أن هذه الوقعات لم يسلم منها أي جنس بشري عبر الأزمان والعصور. وإذا كنا ننشد
عنوانا طيبا لذواتنا فعلينا... أن ْنُعيِدَ النظر!.